| قصص الانبياء | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:14 | |
| قصة آدم عليه السلام شاءت إرادة الله تعالى ان يخلق آدم .. فكيف خلقه و مما خلقه ؟؟ سنحاول أن نعرف القصة من خلال آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة عن أبي هريرة مرفوعاً: "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " عن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك". عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} وكان إبليس يقول: لأمر ما خُـلقت، ودخل من فِـيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنه. } فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}
وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك : عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك". عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله". وعن أبي هريرة رفعه قال: "لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم". وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته. عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خُـلقت لأمر عظيم. ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله يرحمك ربك ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك. قال يا رب: وما ذريتي؟ قال: اختر "احدى" يدي يا آدم، قال: أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره، قال يا رب من هذا؟ قال ابنك داود قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟ قال جعلت له ستين قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك. فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته". وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي". وعن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى. فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر. وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم قال اذهب فسلم على أولئك "النفر" من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن". وعن ابن عباس، قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم. أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، قال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال أي رب كم عمره، قال: ستون عاماً، قال: أي رب زد في عمره. قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: أنه قد بقي من عمري أربعون عاماً. فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة. {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }
ُسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون". فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار". وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي. فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية؛ فجاء فى الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
وعن أبي بن كعب، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية والتي بعدها. قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية. قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي. قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة. ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟ فقال: إني أحببت أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم. فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي". ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار". ثم لما اسكن آدم الجنة التي أسكنها ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد اختلف العلماء في مواضع هبوطه منها. واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة عن ابن عباس: أن الله قال: يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتاً، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك. وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ما هذا؟ قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها فقال: وما أصنع بهذا؟ قال: ابذره في الأرض، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم. وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}. وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعاً وخماراً. وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه. ذكر قصة ابنى آدم قابيل و هابيل قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ { ونذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك. أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك. فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال: إنما يتقبل الله من المتقين. وروي عن ابن عباس: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده! وذكر أبو جعفر : أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه. فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني. فقال: إنما يتقبل الله من المتقين. فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله. وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته. وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم. وقوله له لما توعده بالقتل: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله. ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل". {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.
ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه. وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه. و قد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه آدم و حواء " شيث " ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل. قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة". ذكر وفاة آدم و وصيته لابنه شيث ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك. قال: ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم. ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام. عن أبي بن كعب، قال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره،ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم. واختلفوا في موضع دفنه: فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة وقد ماتت بعد حواء بسنة واحدة. واختلف في مقدار عمره عليه السلام: وقد ذكرنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعاً: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة. وقال عطاء الخراساني: لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. رواه ابن عساكر. فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي ذر مرفوعاً أنزل عليه خمسون صحيفة. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:15 | |
| إدريس عليه السلام
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً. وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}
فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية .
وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
روى أنه لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه
فلما حانت وفاته أوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل
فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهو إدريس عليه السلام على المشهور.
وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام.
وذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم .وقد قال طائفة من الناس أنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال: " إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك".
ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك، ويسمونه هرمس الهرامسة، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء.
وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو في السماء الرابعة.
وقد روى ابن جرير قال:
سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له:
ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟
فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب ادريس أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة
فقال له ادريس: إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس
فقال: وأين إدريس؟
قال : هو ذا على ظهري
فقال ملك الموت: يا للعجب! بُعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}.
وعن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} :
رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد.
وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إلى الجنة، والله أعلم.
| |
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:16 | |
| نوح عليه السلام نسبه عليه السلام هو نوح، بن لامك، بن متوشلخ، بن خنوخ - وهو إدريس - بن يرد، بن مهلاييل، بن قينن، بن أنوش، بن شيث، بن آدم أبي البشر عليه السلام. كان مولده بعد وفاة آدم، بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره. عن زيد بن سلام،قال سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة،قال أن رجلاً قال يا رسول الله: أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم. قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون. وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة . وإن كان المراد بالقرن، الجيل من الناس، كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} فقد كان الجيل قبل نوح، يعمرون الدهر الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح، ألوف من السنين، والله أعلم بعثته عليه السلام فنوح عليه السلام، إنما بعثه الله تعالى، لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد، فكان أول رسول، بعث إلى أهل الأرض، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة. وكان قومه يقال لهم بنو راسب، فيما ذكره ابن جبير، وغيره. وقد ذكر الله قصته، وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز. قال تعالى في سورة هود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ { قصته عليه السلام وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب، والسنة، والآثار فقد ذكرنا عن ابن عباس أنه كان بين آدم، ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. رواه البخاري. وذكرنا أن المراد بالقرن: الجيل، أو المدة على ما سلف، ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}
فمن هم " ود و يغوث و سواع و يعوق و نسر"؟
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُـعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت. و قال ابن جرير في (تفسيره): كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم. عن عروة بن الزبير أنه قال: ود، ويغوث، ويعوق، وسواع، ونسر: أولاد آدم. وكان ود أكبرهم، وأبرهم به. وعن أبي جعفرقال: ذكر وداً رجلاً صالحاً، وكان محبوباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان. ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه؟ قالوا: نعم. فصور لهم مثله. ووضعوه في ناديهم، وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره. قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. فمثَّل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به. وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أثر ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، أولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله (ود) الصنم، الذي سموه وداً. ومقتضى هذا السياق: أن كل صنم من هذه، عبده طائفة من الناس. وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. وقد ثبت في (الصحيحين) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة، وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، يقال لها: مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل)). والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض، وعم البلاد بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه. فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، كما ثبت عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: ((فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب غضباً شديداً، لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي...)). فلما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلى إفراد العبادة لله وحده، لا شريك له، وأن لا يعبدوا معه صنماً، ولا تمثالاً، ولا طاغوتاً، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل، الذين هم كلهم من ذريته. كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَتَهُ هُمُ البَاقِيْن} وقال فيه، وفي إبراهيم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي: كل نبي من بعد نوح، فمن ذريته وكذلك إبراهيم. ولهذا قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
وقال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} فذكر أنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل، والنهار، والسر، والإجهار، بالترغيب تارة، والترهيب أخرى. وكل هذا فلم ينجح فيهم بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان، وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدوهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم. {قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ} أي: السادة الكبراء منهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أي: لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم، رسول من رب العالمين أي: الذي يقول للشيء كن فيكون. {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً أي فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل. وقالوا له فيما قالوا: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}
تعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا بمن اتبعه، ورأوهم أراذلهم. وقد قيل: إنهم كانوا من أقياد الناس، وهم ضعفاؤهم كما قال هرقل وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق. وقولهم: ((بادي الرأي)) أي: بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية، وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية، ولا فكر، ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق: ((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم)) وقال كفرة قوم نوح له ولمن آمن به: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان، ولا مزية علينا {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}
وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلى الحق، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهذا منه يقول لهم: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} أي: النبوة والرسالة. {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أي: فلم تفهموها، ولم تهتدوا إليها. {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي: أنغصبكم بها، ونجبركم عليها. {وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أي: ليس لي فيكم حيلة، والحالة هذه. {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ } أي: لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم، ما ينفعكم في دنياكم، وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله، الذي ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم. وقوله: { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً} كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك. وقال: {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} أي: فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى الله عز وجل. ولهذا قال: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ } {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} أي: بل أنا عبد رسول، لا أعلم من علم الله، إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله. {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} يعني من أتباعه. {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم، عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم، وسيجازيهم على ما في نفوسهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وقد تطاول الزمان، والمجادلة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}. أي: ومع هذه المدة الطويلة، فما آمن به إلا القليل منهم، وكان كل ما انقرض جيل، وصُّوا من بعدهم بعدم الإيمان به، ومحاربته، ومخالفته. وكان الوالد إذا بلغ ولده، وعقل عنه كلامه، وصَّاه فيما بينه وبينه، أن لا يؤمن بنوح أبداً، ما عاش، ودائماً ما بقي، وكانت سجاياهم تأبى الإيمان، واتباع الحق، ولهذا قال: {وَلَا يَلِدُوْا إِلَّا فَاجِرَاً كَفَّارَاً}. ولهذا قالوا: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. أي: إنما يقدر على ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء، ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون. {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
أي: من يرد الله فتنته، فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم العليم، بمن يستحق الهداية، ومن يستحق الغواية. وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة. {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
وهذه تعزية لنوح عليه السلام، في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن أي لا يسوأنك ما جرى؛ فإن النصر قريب والنبأ عجيب. صنع السفينة و الطوفان {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}
وذلك أن نوحاً عليه السلام، لما يئس من صلاحهم، وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته، وتكذيبه، بكل طريق من فعال، ومقال، دعا عليهم دعوة غضب، فلبى الله دعوته، وأجاب طلبته، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}.
وقال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم، وفجورهم، ودعوة نبيهم عليهم، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك؛ وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها، ولا يكون بعدها مثلها. وقدم الله تعالى إليه أنه: إذا جاء أمره، وحلَّ بهم بأسه، الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم، ولا يراجعه، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس الخبر كالمعاينة، ولهذا قال: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}.
أي: يستهزئون به استبعاد الوقوع ما توعدهم به. {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.
أي: نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم، في استمراركم على كفركم، وعنادكم، الذي يقتضي وقوع العذاب بكم، وحلوله عليكم. {فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم} وقد كانت سجاياهم: الكفر الغليظ، والعناد البالغ في الدنيا. وهكذا في الآخرة، فإنهم يجحدون أيضاً، أن يكون جاءهم رسول. عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجيء نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ)) وهو قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
وقد قال بعض علماء السلف: لما استجاب الله لنوح أمره، أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائة أخرى، وقيل: في أربعين سنة، فالله أعلم. قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً، وعرضها خمسين ذراعاَ، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع، في عرض خمسين ذراعاً، وهذا الذي في التوراة وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة. وعن ابن عباس: ألف ومائتا ذراع، في عرض ستمائة ذراع. وقيل: كان طولها ألفي ذراع، وعرضها مائة ذراع. وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشر أذرع؛ فالسفلى: للدواب، والوحوش والوسطى: للناس، والعليا: للطيور. وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها، مطبق عليها. قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.
أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها. {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.
فتقدم إليه بأمره العظيم العالي، أنه إذا جاء أمره، وحلَّ بأسه، أن يحمل في هذه السفينة، من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها، لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم: أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم، الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد . والمراد بالتنور عند الجمهور: وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أرجائها، حتى نبعت التنانير التي هي محال النار. وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.
هذا أمر بأن عند حلول النقمة بهم، أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين. وقوله {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي: من استجيبت فيهم الدعوة النافذة، ممن كفر، فكان منهم ابنه يام الذي غرق، كما سيأتي بيانه. {وَمَنْ آمَنَ} أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك. قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة، ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعد أخرى. وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة؛ فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل: كانوا عشرة. وأما امرأة نوح، قيل: إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها وهي أم أولاده كلهم وهم: حام، وسام، ويافث، ويام، وتسميه أهل الكتاب: كنعان، وهو الذي قد غرق، وعابر . قال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}
أمره أن يحمد ربه، على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها، وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه، كما قال تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}. وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور، أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة، وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: على اسم الله ابتداء سيرها، وانتهاؤه. قال الله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً، لم تعهده الأرض قبله، ولا تمطره بعده، كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها، وسائر أرجائها، كما قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} والدسر: يعنى السائر و تجري بأعيننا، أي: بحفظنا، وكلاءتنا، وحراستنا، ومشاهدتنا لها جزاء لمن كان كفر. وقد ذكر ابن جرير، وغيره، أن الطوفان كان في ثالث عشر، شهر آب، في حساب القبط. وقال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أي: السفينة.
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.
قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض، خمسة عشر ذراعاً، وهو الذي عند أهل الكتاب. وقيل: ثمانين ذراعاً، وعمَّ جميع الأرض طولها والعرض، سهلها، وحزنها، وجبالها، وقفارها، ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض، ممن كان بها من الأحياء، عين تطرف، ولا صغير، ولا كبير. قال الإمام مالك، عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان، قد ملؤوا السهل، والجبل و لم تكن بقعة في الأرض، إلا ولها مالك، وحائز. {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} وهذا الابن هو: يام أخو سام، وقيل اسمه كنعان. وكان كافراً عمل عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك مع من هلك. هذا وقد نجا مع أبيه، الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب. {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
أي: لما فرغ من أهل الأرض، ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر. وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}.
ثم قال تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. هذا أمر لنوح عليه السلام، لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها، والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم، على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور. {بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} أي: اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} فكل من على وجه الأرض اليوم، من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، وهم: سام، وحام، ويافث. روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)). ورواه الترمذي عن ابن عباس، قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجَّه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجَّهها إلى الجودي فاستقرت عليه. فبعث نوح عليه السلام الغراب، ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع علىالجيف فأبطأ عليه. فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون، ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي، فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصحبوا ذات يوم، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربي، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم. وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً. وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم. عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا الصوم؟)) فقالوا: هذا اليوم الذي نجا الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم، فأمن أصحابه بالصوم وقال لأصحابه: من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله، فليتم بقية يومه)). وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، المستغرب ذكر نوح أيضاً، والله أعلم. ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام و عبادته قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}. قيل: أنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها". ذكر صومه عليه السلام عن عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر". ذكرحجه عليه السلام عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادي عسفان قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟" قال هذا وادي عسفان. قال: "لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق". فيه غرابة. ذكر وصيته لولده عليه السلام عن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال: "ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس " أو قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع". فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: "ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!" ثم قال: [ | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:20 | |
|
|
قصة صالح نبي ثمود عليه السلام
قوم صالح عليه السلام : هم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عرباً من العارية يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد مرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين ، كما سيأتي ذكره فى القصة
وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلاً منهم، وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح
فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا به شيئاً، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
والآن لنذكر قصتهم، وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام، ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم، وعتوهم ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
قد ذكرنا أنهم كانوا عرباً وكانوا بعد عاد، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم، ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
أي: إنما جعلكم خلفاء من بعدهم، لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين، أي: حاذقين في صنعتها واتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته، والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
وقال لهم أيضاً: {... قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...}.
أي: هو الذي خلقكم، فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها: أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه.
{فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم، ويتجاوز عنكم.
{إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا}
أي: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد.
ولهذا قالوا: {... أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فما تزيدونني غير تخسير فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}
وهذا تلطف منه لهم في العبارة، ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا عذركم عند الله، وماذا يخلصكم بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعائكم إلى طاعته.
وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرني منه ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضاً: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}
أي: من المسحورين، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه الجمهور إن المراد بالمسحرين المسحورين.
وقولهم: {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم.
قصة الناقة
قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
وقال: {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم، وحذرهم، ووعظهم، وأمرهم،
فقالوا له:
إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا.
فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به.
قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفظر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا
أو على الصفة التي نعتوا، فلما عاينوها كذلك، رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم، وعنادهم.
ولهذا قال: {فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بها، ولم يتبعوا الحق بسببها أي: أكثرهم.
وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس. وكان من رؤساهم، وهم بقية الأشراف بالإسلام، قصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد، والخباب صاحبا أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلمس ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة، وكان من أشرافهم، فهمَّ بالإسلام، فنهاه أولئك فمال إليهم.
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً}
أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، كقوله: بيت الله، وعبد الله.
{لَكُمْ آيَةً} أي: دليلاً على صدق ما جئتكم به.
{فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويقال: إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم.
ولهذا قال: {لها شرب، ولكم شرب يوم معلوم}
ولهذا قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ}
أي: اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون.
{فَارْتَقِبْهُمْ} أي: انتظر ما يكون من أمرهم، واصطبر على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}
فلما طال عليهم الحال هذا، اجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها، ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم.
قال الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين:
أن امرأتين من ثمود، اسم إحداهما: صدوق ابنة المحيا بن زهير بن المختار، وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة.
واسم الأخرى: عنيزة بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم عثمان، وكانت عجوزاً كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو، أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة، فله أي بناتها شاء.
فانتدب هذان الشابان لعقرها، وسعوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعة آخرون، فصاروا تسعة، وهم المذكورون في قوله تعالى:
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}
وسعوا في بقية القبيلة، وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعوهم في ذلك، فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم، فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يزمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم.
فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقيها وهو فصيلها، فصعد جبلاً منيعاً ودعا ثلاثاً.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يا رب أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها.
ويقال: بل اتبعوه فعقروه أيضاً
قال الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}
وقال تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}
عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: (({إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انبعث لها رجل من عارم، عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة)).
أي شهم عزيز، أي رئيس منيع أي مطاع في قومه.
عن عمار بن ياسر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((ألا أحدثك بأشقى الناس؟)).
قال: بلى.
قال: ((رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته)).
وقال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه:
منها: أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية.
ومنها: أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين:
أحدهما: الشرط عليهم في قوله: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} والثاني: استعجالهم على ذلك.
ومنها: أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً، ولكن حملهم الكفر والضلال، والعناد على استبعاد الحق، ووقوع العذاب بهم.
قال الله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها، فلما عاين ذلك سقيها - وهو ولدها - شرد عنهم، فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات.
فلهذا قال لهم صالح: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}
أي: غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لمـّا أمسوا همّوا بقتله، وأرادوا فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة.
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}
أي: لنكبسنه في داره مع أهله، فلنقتلنه ثم نجحدن قتله، وننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه.
ولهذا قالوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
وقال الله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم، سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم .
وأصبحت ثمود يوم الخميس، وهو اليوم الأول من أيام النظرة، ووجوههم مصفرة كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل، وهو يوم الجمعة ووجوههم! محمرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع، وهو يوم السبت، ووجوههم مسودة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل.
فلما كان صبيحة يوم الأحد، تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينظرون ماذا يحل بهم من العذاب، والنكال، والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها.
قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة، واسمها كلبة - بنت السلق - ويقال لها: الذريعة، وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت، وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
قال الله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء.
{أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِثَمُودَ} أي: نادى عليهم لسان القدر بهذا.
عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال:
((لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها.
وكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله)).
فقالوا: من هو يا رسول الله؟
قال: ((هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه)).
عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال:
((إن هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف؛ وكان من ثمود؛ وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن)).
وهكذا رواه أبو داود، من طريق محمد بن إسحاق به.
وقوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}
إخبار عن صالح عليه السلام أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم:
{يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بقولي، وفعلي، ونيتي.
{وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي: لم تكن سجاياكم تقبل الحق، ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمر بكم، المتصل إلى الأبد، وليس لي فيكم حيلة، ولا لي بالدفع عنكم يدان، والذي وجب عليّ من أداء الرسالة، والنصح لكم، قد فعلته وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد.
عن ابن عباس قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال:
((يا أبا بكر أي واد هذا؟))
قال: وادي عسفان.
قال: ((لقد مر به هود وصالح عليهما السلام، على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق)) إسناد حسن.
مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك
عن ابن عمر قال:
لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها، ونصبوا القدور
فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل
ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، فقال:
((إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم)).
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر:
((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم)).
أخرجاه في (الصحيحين) من غير وجه.
وفي بعض الروايات: أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم، قنع رأسه، وأسرع راحلته، ونهى عن دخول منازلهم، إلا أن تكونوا باكين.
وفي رواية: ((فإن لم تبكوا فتباكوا، خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم)) صلوات الله وسلامه عليه.
عامر بن سعد رضي الله عنه قال:
لما كان في غزوة تبوك، فسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى في الناس الصلاة جامعة، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره، وهو يقول:
((ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم)).
فناداه رجل تعجب منهم يا رسول الله؟
قال: ((أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً)).
إسناد حسن ولم يخرجوه.
وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة، فكانوا يبنون البيوت من المدر، فتخرب قبل موت الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتاً في الجبال. وذكروا أن صالحاً عليه السلام لما سألوه آية، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء، وأخبرهم أنهم سيعقرونها، ويكون سبب هلاكهم ذلك.
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:24 | |
| قصة مدين قوم شعيب عليه السلام
قال الله تعالى في سورة هود بعد قصة قوم لوط {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ {
وقال تعالى في الشعراء بعد قصتهم {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ }
كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون مدينتهم مدين، التي هي قريبة من أرض مَعَان من أطراف الشام، قريباً من بحيرة قوم لوط. وكانوا بعدهم بمدة قريبة. ومدين مدينة عرفت بالقبيلة وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل.
وشعيب نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن إسحاق.
ويقال: شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب.
قال ابن عساكر: ويقال جدته، ويقال أمه بنت لوط.
وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه، ودخل معه دمشق.
وفي حديث أبي ذر الذي في صحيح ابن حبان في ذكر الأنبياء والرسل قال : "أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر"
وكان بعض السلف يسمي شعيباً خطيب الأنبياء يعني لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعاية قومه إلى الإيمان برسالته.
وقد روى ابن إسحاق بن بشر عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيباً قال: (ذاك خطيب الأنبياء)
وكان أهل مدين كفاراً، يقطعون السبيل ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.
وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة، من بخس الناس أشيائهم واخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم، حتى أحلَّ الله بهم البأس الشديد. وهو الولي الحميد.
كما قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
أي دلالة وحجة واضحة وبرهان قاطع على صدق ما جئتكم به وأنه أرسلني، وهو ما أجرى الله على يديه من المعجزات التي لم تنقل إلينا تفصيلاً وإن كان هذا اللفظ قد دل عليها إجمالاً.
{فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}.
أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم وتوعدهم على خلاف ذلك فقال: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي طريق {تُوعِدُونَ} أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم من مكوس وغير ذلك، وتخيفون السبل.
قال السدي في تفسيره عن الصحابة "ولا تقعدوا بكل صراط توعدون" أنهم كانوا يأخذون العشور من أموال المارة.
وعن ابن عباس قال: كانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق يبخسون الناس يعني يعشرونهم. وكانوا أول من سن ذلك.
{وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} فنهاهم عن قطع الطريق الحسية الدنيوية، والمعنوية الدينية
{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}
ذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذرهم نقمة الله بهم إن خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه، كما قال لهم في القصة الأخرى:
{وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}
أي لا تركبوا ما أنتم عليه وتستمروا فيه فيمحق الله بركة ما في أيديكم ويفقركم، ويذهب ما به يغنيكم.
وهذا مضاف إلى عذاب الآخرة، ومن جمع له هذا وهذا فقد باء بالصفقة الخاسرة.
فنهاهم أولاً عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف، وحذّرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم، وعذابه الأليم في أخراهم وعنفهم أشد تعنيف.
ثم قال لهم آمراً بعد ما كان عن ضده زاجراً: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}.
قال ابن عباس والحسن البصري: "بقيّة الله خير لكم" أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس.
وقال ابن جرير: ما فضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الربا وان كثر فإن مصيره إلى قُل" أي: إلى قلة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
والمقصود أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قل والحرام لا يجدي وإن كثر، ولهذا قال نبي الله شعيب "بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين".
وقوله "وما أنا عليكم بحفيظ" أي افعلوا ما آمركم به ابتغاء وجه الله ورجاء ثوابه لا لأراكم أنا وغيري.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}.
يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم: أصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن تحجر علينا فلا نعبد إلا إلهك ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون، وأسلافنا الأولون؟ أو أن لا نتعامل إلاّ على الوجه الذي ترتضيه أنت ونترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها؟
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
هذا تلطف معهم في العبارة ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة.
يقول لهم: أرأيتم أيها المكذبون إن كنت على أمر بيِّن من الله تعالى، وأنه أرسلني إليكم، ورزقنى النبوة والرسالة، وعمى عليكم معرفتها، فأي حيلة لي فيكم؟
وقوله {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}
أي لست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه.
"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" أي ما أريد في جميع أمري إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي وطاقتي.
"وما توفيقي" أي في جميع أحوالي "إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"
أي: عليه أتوكل في سائر الأمور وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري وهذا مقام ترغيب.
ثم انتقل إلى نوه من الترهيب فقال: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}.
أي لا تحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم، فيحل الله بكم من العذاب والنكال نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم، من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين.
وقوله {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}
قيل معناه في الزمان، أي ما بالعهد من قدم مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم.
وقيل: معناه وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان.
وقيل في الصفات والأفعال المستقبحات من قطع الطريق وأخذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات.
والجمع بين هذه الأقوال ممكن فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زماناً ولا مكاناً ولا صفات.
ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}
أي اقلعوا عما أنتم فيه وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود، فإنه من تاب إليه تاب عليه، فإنه رحيم بعباده أرحم بهم من الوالدة بولدها، ودود وهو الحبيب ولو بعد التوبة على عبده ولو من الموبقات العظام.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً}.
روي عن ابن عباس أنهم قالوا: كان ضرير البصر.
وقولهم {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}
وهذا من كفرهم البليغ وعنادهم الشنيع حيث قالوا: "ما نفقه كثيراً مما تقول"
أي ما نفهمه ولا نعقله، لأنه لا نحبه ولا نريده، وليس لنا همة إليه ولا إقبال عليه.
وقولهم{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} أي مضطهداً مهجوراً {وَلَوْلا رَهْطُكَ} أي قبيلتك وعشيرتك فينا {لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ}
أي تخافون قبيلتي وعشيرتي وترعوني بسببهم ولا تخافون عذاب الله ولا تراعوني لأني رسول الله، فصار رهطي أعز عليكم من الله "أي جانب الله وراء ظهوركم" أي هو عليم بما تعملونه وما تصنعونه محيط بذلك وسيجزيكم عليه يوم ترجعون إليه.
{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}.
هذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد بأن يستمروا على طريقتهم ومنهجهم وشاكلتهم، فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار، ومن يحل عليه الهلاك والبوار
{مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي في هذه الحياة الدنيا
{وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي في الأخرى {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} أي مني ومنكم فيما أخبر وبشر وحذر.
{وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}
هذا كقوله: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ، قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.
طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب شعيب للمحاجة عن قومه فقال: {أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}
أي هؤلاء لا يعودون إليكم اختياراً، وإنما يعودون إليكم إن عادوا اضطراراً مكرهين، وذلك لأنَّ الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، ولا يرتد أحد عنه، ولا محيد لأحد منه.
ولهذا قال: {قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا}
أي فهو كافينا، وهو العاصم لنا، وإليه ملجأنا في جميع أمرنا.
ثم استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
أي الحاكمين فدعا عليهم، والله لا يرد دعاء رسله إذا انتصروه على الذين جحدوه وكفروه، ورسولهُ خالفوه.
ومع هذا صموا على ما هم عليه مشتملون. وبه متلبسون {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ}.
قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة، أي رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالاً شديداً أزهقت أرواحهم من أجسادها، وصيرت حيوان أرضهم كجمادها، وأصبحت جثثهم جاثية، لا أرواح فيها، ولا حركات بها ولا حواس لها.
وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات وصنوفاً من المثلات، وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات.
ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها، ويوافق طباقها، في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم، أو ليعودن في ملتهم راجعين
فقال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
فقابل الأرجفاف بالرجفة والإخافة بالخيفة وهذا مناسب هذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السياق.
وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص:
{أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}
فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح الذي واجهوا به الرسول الكريم الأمين الفصيح، فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم.
وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة، وكان ذلك إجابة لما طلبوا، وتقريباً إلى ما إليه رغبوا. فإنهم قالوا:
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ، وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ، قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
قال الله تعالى وهو السميع العليم {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ذكروا أنهم أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب،
فهربوا من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح، وخربت الأشباح.
{فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ}
ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين . كما قال تعالى وهو أصدق القائلين:
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}.
ثم ذكر تعالى عن نبيهم أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخاً ومؤنباً ومقرعاً، فقال تعالى:
{يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ }
أي قد أديت ما كان واجباً علي من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه فلم ينفعكم ذلك لأن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين، فلست أتأسف بعد هذا عليكم لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ولا تخافون يوم الفضيحة.
ولهذا قال: {فَكَيْفَ آسَى} أي أحزن {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}. أي لا يقبلون الحق ولا يرجعون إليه ولا يلتفتون إليه فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا يدافع ولا يمانع ولا محيد لأحد أريد به عنه، ولا مناص عنه.
وقد ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه عن ابن عباس "أن شعيباً عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام، وعن وهب بن منبه أن شعيباً عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم".
|
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:24 | |
| وقد كان للخليل بنون كما ذكرنا، ولكن أشهرهم الأخوان النبيان العظيمان الرسولان أسنهما وأجلهما الذي هو الذبيح على الصحيح: إسماعيل بكر إبراهيم الخليل، من هاجر القبطية المصرية عليها السلام من العظيم الجليل ومن قال: إن الذبيح هو إسحاق فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل، الذين بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل، وخالفوا ما بأيديهم في هذا من التنزيل. وقد أثنى الله تعالى عليه ووصفه بالحلم والصبر، وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب، مع ما كان يدعو إليه من عبادة رب الأرباب. قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فطاوع أباه على ما إليه دعاه، ووعده بأن سيصبر، فوفى بذلك بأن سيصبر وصبر على ذلك. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}
وقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ}
وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ...} الآية
وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} الأية. ونظيرتها من السورة الأخرى.
وقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ آنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} الآية.
فذكر الله عنه كل صفة جميلة، وجعله نبيه ورسوله، وبرأه من كل ما نسب إليه الجاهلون، وأمر بأن يؤمن بما أنزل عليه عباده المؤمنون. وذكر علماء النسب وأيام الناس، أنه أول من ركب الخيل، وكانت قبل ذلك وحوشاً فأنسها وركبها. عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتخذوا الخيل واعتبقوها فإنها مراث أبيكم إسماعيل)). وكانت هذه العراب وحشاً، فدعا لها بدعوته التي كان أعطي فأجابته وإنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد تعلمها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة، من جرهم والعماليق وأهل اليمن من الأمم المتقدمين من العرب قبل الخليل. عن محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أول من فتق لسانه بالعربية البينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة)). فقال له يونس: صدقت يا أبا سيار هكذا أبو جرى حدثني. وقد تزوج لما شب من العماليق امرأة، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه؟ فقالت: خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي. وقيل: هذه ثالثة فولدت له اثني عشر ولداً ذكراً، وقد سماهم محمد بن إسحاق رحمه الله وهم: نابت، وقيذر، وازبل، وميشى، ومسمع، وماش، ودوصا، وارر، ويطور، ونبش، وطيما، وقذيما. وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما والاها، من قبائل جرهم، والعماليق، وأهل اليمن، صلوات الله وسلامه عليه. ولما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق، وزوج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن إسحاق فولدت له الروم، ويقال لهم: بنو الأصفر لصفرة كانت في العيص. وولدت له اليونان في أحد الأقوال، ومن ولد العيص الأشبان، قيل منهما أيضاً. ودفن إسماعيل نبي الله بالحجر مع أمه هاجر، وكان عمره يوم مات مائة وسبعاً وثلاثين سنة، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: شكى إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز وجل حرَّ مكة، فأوحى الله إليه أني سأفتح لك باباً إلى الجنة إلى الموضع الذي تدفن فيه، تجري عليك روحها إلى يوم القيامة. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:27 | |
| |
قال ابن إسحاق: كان رجلاً من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام. وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه.
والمشهور هو القول الأول، لأنه من ذرية إبراهيم كما قررنا عند قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ...} الآيات .
من أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام.
وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ} الآية.
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.
وقال تعالى في سورة ص: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة بأرض البثينة من أرض حوران.
وحكى ابن عساكر أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسلب من ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بها، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه.
وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، وألقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها، وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه، فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته.
وضُعف حالها، وقل ما لها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر، لتطعمه وتقود بأوده رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد، وخدمة الناس بعد السعادة، والنعمة، والخدمة، والحرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه)).
ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً، حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا.
وعن مجاهد أنه قال: كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري، وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال؛ فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص.
وقال أنس: ابتلي سبع سنين وأشهراً، وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، حتى فرَّج الله عنه، وعظم له الأجر، وأحسن الثناء عليه.
وقال حميد: مكث في بلواه ثمانية عشرة سنة.
وقال السدي: تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها
قالت: يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك،
فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحداً يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها، بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب،
فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره.
فقالت: خدمت به أناساً
فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً قال في دعائه:
{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال:
كان لأيوب أخوان، فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط.
قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان.
ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان عار، فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان.
ثم قال: اللهم بعزتك وخر ساجداً، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان،
فقال أحدهما لصاحبه: يعلم الله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين
قال له صاحبه: وما ذاك؟
قال: منذ ثماني عشر سنة لم يرحمه ربه فكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب: لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق)).
قال: ((وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}
فاستبطأته فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان،
فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً،
قال: فإني أنا هو)).
قال: ((وكان له أندران: أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض)).
وهذا الحديث غريب رفعه جداً، والأشبه أن يكون موقوفاً.
عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه.
فقالت: يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة.
قال: ولعل أنا أيوب.
قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟
فقال: ويحك أنا أيوب، قد رد الله عليّ جسدي.
قال ابن عباس: ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إليه: قد رددت عليك أهلك، ومالك، ومثلهم معهم فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قرباناً، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك. رواه ابن أبي حاتم.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه
قال: فقيل له يا أيوب أما تشبع؟
قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك)).
أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((بينما أيوب يغتسل عرياناً خرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى.
قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك)).
وقوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}
أي: اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به، فأنبع الله له عيناً باردة الماء، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تاماً، ومالاً كثيراً حتى صب له من المال صباً مطراً عظيماً جراداً من ذهب.
وأخلف الله له أهله كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}
فقيل: أحياهم الله بأعيانهم،
وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة.
وقوله: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي: رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به، ورأفة وإحساناً.
{وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه.
عن ابن عباس: رد الله إلي إمرأته شبابها، وزادها حتى ولدت له ستة وعشرون ولداً ذكراً.
وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية، ثم غيروا بعده دين إبراهيم.
وقوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}
هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط
فقيل: حلفه ذلك لبيعها ضفائرها.
وقيل: لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب، فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربها مائة سوط.
فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثاً، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة، البارة الراشدة، رضي الله عنها.
ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الإيمان والنذور، وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الإيمان.
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ: أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة، وقيل: إنه عاش أكثر من ذلك،
وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه: أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء، رواه ابن عساكر بمعناه.
وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم.
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:27 | |
| قصة يوسف عليه السلام {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} قد ذكرنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوحَ إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول. عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم)). قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} وهم إشارة إلى بقية أخوته {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ} هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له، فهاله ذلك. فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلا يحسدوه، ويبغوا له الغوائل، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر. ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود. {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: يخصك بأنواع اللطف والرحمة.{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك. {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ َ} أي: بالوحي إليك. {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أي: ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك إسحاق، ووالد جدك إبراهيم الخليل. لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الناس أكرم؟ قال: ((يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)). {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم، والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه، يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم، وهم عصبة أي: جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين. {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: بتقديمه حبهما علينا. ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف، أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها، ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم، وتتوفر عليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك، فلما تمالؤا على ذلك، وتوافقوا عليه.{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: المارة من المسافرين. فإن كنتم فاعلين لا محالة، فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه، فأجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه، فيأتي الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ} أي: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة، إنا إذا لخاسرون أي: عاجزون هالكون. {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه، فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي: في قعره على راعوفته، وهي الصخرة التي تكون في وسطه، يقف عليها المائح - وهو الذي ينزل ليملي الدلاء إذا قل الماء - والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح. فلما ألقوه فيه، أوحى الله إليه أنه لا بدَّ لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا، في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك، خائفون منك وذكر بكاء إخوة يوسف، وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم }قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي: في غيبتنا عنه في استباقنا. وقولهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي: وما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمين عندك، فكيف وأنت تتهمنا في هذا، فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه. {وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه، ليوهموا أنه أكله الذئب، قالوا ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذب النسيان. ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرُج صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته. ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه، وغيبوه عن عينيه، جاؤا وهم يتباكون وعلى ما تمالئوا عليه يتواطئون، ولهذا {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشار بوضعه في الجب، ليأخذه من حيث لا يشعرون، ويرده إلى أبيه، فغافلوه وباعوه لتلك القافلة. فلما جاء روبيل من آخر النار ليُخرج يوسف لم يجده، فصاح وشق ثيابه، وعمد أولئك إلى جدي فذبحوه، ولطخوا من دمه جبة يوسف، فلما علم يعقوب شق ثيابه، ولبس مئزراً أسود وحزن على ابنه أياماً كثيرة، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير. و قال تعالى: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب: أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به، فجاءت سيارة أي: مسافرون. قاصدين ديار مصر من الشام، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف، فلما رآه ذلك الرجل: {قَالَ يَابُشْرَى} أي: يا بشارتي {هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي: أوهموا أنه معهم غلام من جملة تجارتهم ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا، فاشتروه منهم بثمن بخس أي: قليل نزر. وقيل: هو الزيف. {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قال ابن مسعود: باعوه بعشرين درهماً، اقتسموها درهمين درهمين. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:28 | |
| قصة ذي الكفل الذي زعم قوم أنه ابن أيوب
قال الله تعالى بعد قصة أيوب في سورة الأنبياء: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ}
وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضاً في سورة ص: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ}
فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه، مقروناً مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور. وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبياً وإنما كان رجلاً صالحاً، وحكماً مقسطاً عادلاً ، فالله أعلم.
عن مجاهد: أنه لم يكن نبياً وإنما كان رجلاً صالحاً، وكان قد تكفل لبني قومه أن يكفيه أمرهم، ويقضي بينهم بالعدل، فسمى ذا الكفل.
عن مجاهد أنه قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي، حتى أنظر كيف يعمل.
فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب.
فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا.
فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟
قال: نعم.
قال: فردهم ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الآخر.
فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال: أنا. فاستخلفه.
فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان فأعياهم ذلك، فقال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النومة فدق الباب،
فقال: من هذا؟
قال: شيخ كبير مظلوم.
قال: فقام ففتح الباب،
فجعل يقص عليه فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا، حتى حضر الرواح وذهبت القائلة،
وقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك.
فانطلق وراح.
فكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره، فقام يتبعه، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه، أتاه فدق الباب فقال من هذا؟
فقال: الشيخ الكبير المظلوم،
ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني؟
فقال: إنهم أخبث قوم، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني.
قال: فانطلق فإذا رحت فأتني، قال ففاتته القائلة فراح فجعل ينتظر فلا يراه، وشق عليه النعاس فقال لبعض أهله: لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق علي النوم، فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل: وراءك وراءك،
فقال: إني قد أتيته أمس، فذكرت له أمري.
فقال: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها، فإذا هو في البيت، وإذا هو يدق الباب من داخل، قال: فاستيقظ الرجل فقال: يا فلان ألم آمرك
قال: أما من قبلي والله فلم تؤت فانظر من أين أتيت؟
فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في البيت فعرفه،
فقال: أعدو الله؟
قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت ما ترى لأغضبنك، فعصمك الله مني، فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به.
عن كنانة بن الأخنس قال: سمعت الأشعري - يعني أبا موسى رضي الله عنه - وهو على هذا المنبر يقول: ما كان ذو الكفل نبياً ولكن كان رجل صالح، يصلي كل يوم مائة صلاة، فتكفل له ذو الكفل من بعده يصلي كل يوم مائة صلاة فسمى ذا الكفل.
و الله تعالى أعلم
|
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:29 | |
|
قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً، وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً}
وقال الله تعالى في صورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ، وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}.
وروى ابن جرير قال: قال ابن عباس: أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود.
وقد ذكر الحافظ بن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد وغيره :
أن أصحاب الرس كانوا بِحَضَوَّر، فبعث الله إليهم نبيّاً يقال له: حنظلة بن صفوان، فكذبوه وقتلوه، فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس، فنزل الأحقاف، وأهلك الله أصحاب الرَّس، وانتشروا في اليمن كلها، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها
حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح دمشق، وبنى مدينتها، وسماها جيرون، وهي ارم ذات العماد، وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد إلى عاد، يعني أولاد عاد بالأحقاف، فكذبوه فأهلكم الله عز وجل.
فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم.
عن ابن عباس قال: الرس بئر بأذربيجان.
وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال: الرس بئر رسّوا فيها نبيَّهم، أي دفنوه فيها.
وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش
أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعها، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات وجدوا عليه وجداً عظيماً، فلما كان بعد أيام
تصوّر لهم الشيطان في صورته، وقال: إني لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح
وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً،
فصدق به أكثرهم وافتتنوا به وعبدوه.
فبعث الله فيهم نبياً فأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب، ونهاهم عن عبادته، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.
قال السهيلي: وكان يوحى إليه في النوم، وكان اسمه حنظلة بن صفوان، فَعَدوْا عليه فقتلوه، وألقوه في البئر، فغار ماؤها
وعطشوا بعد ريهم، ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم، وخربت ديارهم، وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة وبعد الاجتماع بالفرقة وهلكوا عن أخرهم، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود وصوت الضباع.
و الله تعالى أعلم
|
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:29 | |
| قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِي، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي، قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ، إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}. مشهور بين السلف و الخلف انها أنطاكية .. و سنورد الآن ما قيل فى صحة أو خطأ هذا القول قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب، إنهم قالوا: وكان لها ملك اسمه انطيخس بن انطيخس، وكان يعبد الأصنام. فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم صادق ومصدوق وشلوم فكذّبهم. وهذا ظاهر انهم رسل من الله عز وجل قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا} يعني لقومك يا محمد {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} يعني المدينة { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي أيدناهما بثالث في الرّسالة {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} فردوا عليهم بأنهم بشر مثلهم، كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم، يستبعدون أن يبعث الله نبياً بشرياً فأجابوهم بأن الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كذبنا عليه لعاقبنا وأنتقم منا أشد الانتقام {وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}
أي إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
أي تشائمنا بما جئتمونا به و توعدوهم بالقتل والإهانة. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}
أي أن تشاؤمكم مردود عليكم فهل بسبب أنا ذكرناكم بالهدى ودعوناكم إليه توعدتمونا بالقتل والإهانة بل أنت قوم لا تقبلون الحق ولا تريدونه. وقوله تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يعني لنصرة الرسل وإظهار الإيمان بهم {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أي يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة. ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة ما سواه مما لا ينفع شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إن تركت عبادة الله وعبدت معه ما سواه. ثم قال مخاطباً للرسل {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي} قيل: فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم. وقيل: معناه فاسمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة. فعند ذلك قتلوه. قيل رجماً، وقيل عصّاً، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه. وحكى ابن مسعود قال وطئوه بأرجلهم حتى أخرجوا قصبته. وقد روى الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسم هذا الرجل "حبيب بن مرى". ثم قيل: كان نجّاراً وقيل حبَّاكاً، وقيل إسكافاً، وقيل قصّاراً، وقيل كان يتعبد في غار هناك. فالله أعلم. وعن ابن عباس: كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام وكان كثير الصّدقة، فقتله قومُه. ولهذا قال تعالى: {ادْخُلْ الْجَنَّةَ} يعني لما قتله قومه ادخله الله الجنة، فلما رأى فيها من النضرة والسرور {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ}
قال ابن عباس نصح قومه في حياته {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد مماته في قوله {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ} وكذلك قال قتادة لا يلقى المؤمن إلاّ ناصحاً، لا يلقى غاشّا لما عاين ما عاين من كرامة الله {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ} تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله، وما هو عليه. قال قتادة: فلا واللهِ ما عاتب الله قومه بعد قتله. {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} أي وما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم. {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.
قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل عليه السلام، فأخذ بعضادتي الباب الذي لبلدهم ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون. أي قد أخمدت أصواتهم وسكنت حركاتهم ولم يبق منهم عين تطرف. وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية، لأن هؤلاء أهلكوا بتكذيبهم رسل الله إليهم، وأهل انطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من الحواريين، إليهم، فلهذا قيل: إن انطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:30 | |
| قصة يونس عليه السلام
قال الله تعالى في سورة يونس: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
وقال تعالى في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
وقال تعالى في سورة الصافات: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
قال أهل التفسير: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهاب، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب، الذي كان قد اتصل بهم بسببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم.
ولهذا قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} أي: هلاّ وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك بل كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}
وقوله: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي: آمنوا بكمالهم.
وقد اختلف المفسرون هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار الآخرة، فينقذهم من العذاب الأخروي، كما أنقذهم من العذاب الدنيوي؟ على قولين؛ الأظهر من السياق: نعم والله أعلم. كما قال تعالى: {لَمَّا آمَنُوا} وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} وهذا المتاع إلى حين لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي، والله أعلم.
وقد كانوا مائة ألف لا محالة، واختلفوا في
فلما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً بسبب قومه، ركب سفينة في البحر، فلجت بهم واضطربت وماجت بهم، وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، على ما ذكره المفسرون.
قالوا: فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا منه.
فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به
فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً، فشمر ليخلع ثيابه ويلقى بنفسه فأبوا عليه ذلك.
ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً، لما يريده الله به من الأمر العظيم.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}.
وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً، فليس لك برزق.
فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل: إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه. قالوا: ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي، فخر لله ساجداً وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً لم يعبدك أحد في مثله.
وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه.
فقال مجالد، عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية.
وقال قتادة: مكث فيه ثلاثاً.
وقال جعفر الصادق: سبعة أيام
وقال سعيد بن أبي الحسن، وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يوماً، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.
والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينها وما تحت الثرى.
فعند ذلك وهنالك قال ما قال: كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى، سامع الأصوات وإن ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين، وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين:
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أن نضيق. وقيل معناه: نقدر من التقدير وهي لغة مشهورة قدَر وقدّر كما قال الشاعر:
فلا عائدٌ ذاك الزمانُ الذي مضى * تباركتَ ما يقدَرْ يكن فلك الأمر.
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} قيل : ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
وقيل: ابتلع الحوت حوت آخر، فصار ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر.
وقوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} قيل معناه: لولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح والاعتراف لله بالخضوع والتوبة إليه، والرجوع إليه للبث هنالك إلى يوم القيامة. ولبعث من جوف ذلك الحوت.
هذا معنى ما روي عن سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه.
وقيل معناه: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ} من قبل أخذ الحوت له {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أي: المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً.
كما روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي:
((يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قالت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحماً ولا تكسر عظماً، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه: ما هذا؟
فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر.
قال فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه.
فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة.
قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر.
قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح!
قال: نعم.
قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل)).
حدثني أبو صخر أن يزيد الرقاشي حدثه، سمعت أنس بن مالك ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
فأقبلت الدعوة تحن بالعرش،
فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة.
فقال: أما تعرفون ذاك؟
قالوا: يا رب ومن هو؟
قال: عبدي يونس.
قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عملاً متقبلاً، ودعوة مجابة.
قالوا: يا ربنا أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟
قال: بلى، فأمر الحوت فطرحه في العراء)).
ورواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب به.
و روى عن أبى هريرة يقول: طرح بالعراء وانبت الله عليه اليقطينة.
قلنا: يا أبا هريرة وما اليقطينة؟
قال: شجرة الدباء.
قال أبو هريرة: وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض، أو قال: هشاش الأرض.
قال فتنفشخ عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة، حتى نبت.
وقد قال الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ} أي: ألقيناه
{بِالْعَرَاءِ} وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من الأشجار بل هو عار منها.
{وَهُوَ سَقِيْمٌ} أي: ضعيف البدن.
قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش.
وقال ابن عباس، والسدي، وابن زيد: كهيئة الضبي حين يولد، وهو المنفرش ليس عليه شيء.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}
قال ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد وغير واحد: هو القرع.
قال بعض العلماء في إنبات القرع عليه حكم جمة؛ منها: أن ورقه في غاية النعومة، وكثير وظليل، ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نياً ومطبوخاً وبقشره وببزره أيضاً. وفيه نفع كثير، وتقوية للدماغ، وغير ذلك.
وقد ذكرنا كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه لبنها، وترعى في البرية وتأتيه بكرة وعشية، وهذا من رحمة الله به ونعمته عليه وإحسانه إليه ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أي: الكرب والضيق الذي كان فيه.
{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: وهذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.
سمعت سعد بن مالك - وهو ابن أبي وقاص - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: دعوة يونس بن متى)).
قال: فقلت يا رسول الله: هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟
قال: ((هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها. ألم تسمع قول الله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} فهو شرط من الله لمن دعاه به)).
عن ابن أبي وقاص قال: مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردد عليّ السلام، فأتيت عمر بن الخطاب،
فقلت: يا أمير المؤمنين هل حدث في السلام شيء؟
قال: لا، وما ذاك؟
قلت: لا، إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردد علي السلام.
قال فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال: ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام؟
قال: ما فعلت.
قال سعد: قلت: بلى حتى حلف وحلفت.
قال ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى، وأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشى بصري وقلبي غشاوة.
قال سعد: فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة، ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((من هذا أبو إسحاق؟))
قال: قلت: نعم يا رسول الله.
قال: ((فمه؟))
قلت: لا والله إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك.
قال: ((نعم دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له)).
قال الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} وذكره تعالى في جملة الأنبياء الكرام في سورتي النساء والأنعام، عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)).
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري به.
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا عند الله خير من يونس بن متى)).
|
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:31 | |
| ذكر نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام. هو الخليل يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وأهل الكتاب يقولون: يوشع ابن عم هود. وقد ذكره الله تعالى في القرآن غير مصرح باسمه في قصة الخضر كما تقدم من قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ} و قد ثبت في الصحيح من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أنه يوشع بن نون. وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب، فإن طائفة منهم وهم السامرة، لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون، لأنه مصرح به في التوراة، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم من ربهم فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور: أن هارون توفي بالتيه قبل موسى أخيه بنحو من سنتين، وبعده موسى في التيه أيضاً، كما قدمنا. وأنه سأل ربه أن يقربه إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك. فكأن الذي خرج بهم من التيه، وقصد بهم بيت المقدس، هو يوشع بن نون عليه السلام. فذكر أهل التاريخ، أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سوراً وأعلاها قصوراً، وأكثرها أهلاً، فحاصرها ستة أشهر. ثم إنهم أحاطوا بها يوماً وضربوا بالقرون - يعني الأبواق - وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفاً من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكاً كثيرة ويقال إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكاً من ملوك الشام. وذكروا أنه انتهى محاصرته إلى يوم جمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان، قال لها: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد، والمرجح - والله أعلم - أن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو المقصود الأعظم، وفتح أريحا كان وسيلة إليه، والله أعلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس" وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، لا موسى، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا كما قلنا. وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بُضْع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنياناً ولم يرفع سُقفها، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها. قال: فغزا فدنا من القرية حين صُلي العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور. اللهم احبسها عليَّ شيئاً فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه، فقال فيكم غُلول فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال: فيكم الغلول أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا". فلما دخل بهم باب المدينة أمروا أن يدخلوها سجداً أي ركعاً متواضعين شاكرين لله عز وجل على ما مَّن به عليهم من الفتح العظيم، الذي كان الله وعدهم إياه، وأن يقولوا حال دخولهم {حِطَّةٌ} أي حط عنا خطايانا التي سلفت؛ من نكولنا الذي تقدم منا. ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم فتحها، دخلها وهو راكب ناقته، وهو متواضع حامد شاكر، حتى إن عُثنونه - طرف لحيته - ليمس مورك رحله؛ مما يطاطئ رأسه خضعاناً لله عز وجل ومعه الجنود والجيوش ممن لا يرى منه إلا الحدق، ولا سيما الكتيبة الخضراء التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم لما دخلها اغتسل وصلى ثماني ركعات وهي صلاة الشكر على النصر، على المشهور من قول العلماء. وقيل إنها صلاة الضحى، وما حمل هذا القائل على قوله هذا إلا لأنها وقعت وقت الضحى. وأما بنوا إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولاً وفعلاً؛ فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حبة في شعرة، وفي رواية: حنطة في شعرة. وحاصله أنهم بدلوا ما أمروا به واستهزأوا به؛ كما قال تعالى حاكياً عنهم في سورة الأعراف وهي مكية: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} وقال في سورة البقرة وهي مدنية مخاطباً لهم: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِين، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم وقالوا حبة في شعرة. وكذا رواه النسائي وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة". ورواه البخاري ومسلم والترمذي حسن صحيح. عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلوا من الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاههم، وهم يقولون حنطة في شعيرة". وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود قال في قوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} قال: قالوا: "هطى سقاثا أزمة مزيا" فهي في العربية: "حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء". وقد ذكر الله تعالى أنه عاقبهم على هذه المخالفة؛ بإرسال الرجز الذي أنزله عليهم، وهو الطاعون، كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا الوجع - أو السقم - رجز عُذِّب به بعض الأمم قبلكم". وروى النسائي عن أسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاعون رجز عذاب عذِّب به من كان قبلكم" عن ابن عباس: الرجز العذاب وقال أبو العالية: هو الغضب ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب التوراة حتى قبضه الله إليه، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعاً وعشرين سنة. و الله تعالى اعلى و اعلم | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:32 | |
| قصة إلياس عليه السلام
إلياس عليه السلام: قال الله تعالى بعد قصة موسى وهارون من سورة "الصافات": {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
قال علماء النسب هو: إلياس النشبي،
وقيل: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه "بعلا" وقيل كانت امرأة اسمها "بعل" والله أعلم.
والأول أصح ولهذا قال لهم:
{أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ}.
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله. فيقال إنه هرب منهم، واختفى عنهم
عن كعب الأحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك وولَّى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم. فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا: عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هارباً من قومه في كهف في جبل عشرين ليلة - أو قال أربعين ليلة تأتيه - الغربان برزقه.
وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}
أي للعذاب، إما في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة. والأول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون
وقوله: {إلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي إلا من آمن منهم.
وقوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}
أي أبقينا بعده ذكراً حسناً له في العالمين فلا يذكر إلا بخير
ولهذا قال: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أي سلام على إلياس
والعرب تُلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا: إسماعيل وإسماعين. وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسين .
وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمد والصحيح أنه غيره كما تقدم. والله أعلم.
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:33 | |
| من انبياء بنى اسرائيل قصة حزقيل
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}.
قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه : إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}
قال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض فقال لهم الله موتوا فماتوا جميعاً فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكراً
فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟
فقال: نعم. فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحماً وأن يتصل العصب بعضه ببعض فإذا هم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.
عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}.
قالوا: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقي في القرية، وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين،
فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع فيهم مرة اخرى، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفاً، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح،
فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم
ومرّ بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم، ويلوي شدقيه وأصابعه،
فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم؟
قال: نعم. وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم،
فقيل له: ناد. فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً فاكتست لحماً ودماً وثيابها التي ماتت فيها.
ثم قيل له: ناد.
فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا.
قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا "سبحانك الله وبحمدك لا إله إلا أنت"
فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوباً إلا عاد رسماً، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم.
وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه ثمانية آلاف،
وعن أبي صالح تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضاً كانوا أربعين ألفاً.
وعن سعيد بن عبد العزيز كانوا من أهل أذرعات.
وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل. يعني أنه سيق مثلاً مبيناً أنه لن يغني حذر من قدر!
عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء وقع بالشام. فذكر الحديث. يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه
فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً ببعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه"
فحمد الله عمر ثم انصرف.
وقال الإمام أحمد: أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فرجع عمر من الشام.
قال محمد بن إسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم وعظُمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان وكان من جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
و قد ذكرنا قصته عليه السلام
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:33 | |
| من أنبياء بنى اسرائيل قصة اليسع عليه السلام
وقد ذكره الله تعالى مع الأنبياء في سورة الأنعام في قوله {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}. وقال تعالى في سورة ص: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنْ الأَخْيَارِ}. قال ابن إسحاق: عن قتادة، عن الحسن، قال: كان بعد إلياس اليسع عليه السلام، فمكث ما شاء الله أن يمكث يدعوهم إلى الله مستمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله عز وجل إليه ثم خلف فيهم الخلوف وعظُمت فيهم الأحداث والخطايا وكثرت الجبابرة وقتلوا الأنبياء، وكان فيهم ملك عنيد طاغ، ويقال إنه الذي تكفل له ذو الكفل إن هو تاب ورجع دخل الجنة فسمي ذا الكفل. قال محمد بن إسحاق هو اليسع بن أخطوب. وقال الحافظ ابن عساكر: اليسع وهو الأسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. ويقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام ويقال كان مستخفياً معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه إليها، فلما رفع إلياس خلفه اليسع في قومه ونبأه الله بعده قال ابن جرير وغيره: ثم مرج أمر بني إسرائيل، وعظمت منهم الخطوب والخطايا، وقتلوا من قتلوا من الأنبياء، سلط الله عليهم بدل الأنبياء ملوكاً جبارين، يظلمونهم ويسفكون دماءهم، وسلط الله عليهم الأعداء من غيرهم أيضاً، وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان، كما تقدم ذكره، فكانوا يُنصرون ببركته، وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمداً. وبقي بنو إسرائيل كالغنم بلا راع حتى بعث الله فيهم نبياً من الأنبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً ليقاتلوا معه الأعداء، فكان من أمرهم ما سنذكره مما قص الله في كتابه. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:34 | |
| قصة شمويل عليه السلام وفيها بدء أمر داود عليه السلام
هو شمويل ويقال أشمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا.
قال مقاتل: وهو من ورثة هارون. فالله أعلم.
عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وسبوا من أبنائهم جمعاً كثيراً، وانقطعت النبوة من سبط لاوى، ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، فجعلت تدعو الله عز وجل أن يرزقها ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته إلى المسجد، وأسلمته عند رجل صالح فيه يكون عنده ليتعلم من خيره وعبادته، فكان عنده، فلما بلغ أشده بينما هو ذات ليلة نائم إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد،
فانتبه مذعوراً، فظنه الشيخ يدعوه فسأله: أدعوتني؟
فكره أن يفزعه فقال: نعم نم فنام.
ثم ناداه الثانية فكذلك ثم الثالثة
فإذا جبريل يدعوه، فجاءه فقال إن ربك قد بعثك إلى قومك. فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إسرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
قال أكثر المفسرين: كان نبي هؤلاء القوم المذكورين في هذه القصة هو شمويل.
والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب وقهرهم الأعداء سألوا نبي الله في ذلك الزمان وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكاً يكونون تحت طاعته ليقاتلوا من ورائه ومعه وبين يديه الأعداء.
فقال لهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّه} أي وأي شيء يمنعنا من القتال {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} يقولون نحن محروبون موتورون، فحقيق لنا أن نقاتل عن أبنائنا المنهورين المستضعفين فيهم المأسورين في قبضتهم.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}. كما ذكر في آخر القصة أنه لم يجاوز النهر مع الملك إلا القليل والباقون رجعوا ونكلوا عن القتال.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}
قال الثعلبي وهو طالوت بن قيش بن أفيل بن صارو بن تحورت بن أفيح بن أنيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
قال عكرمة والسدي: كان سقاء!
وقال وهب بن منبه: كان دباغاً وقيل غير ذلك. والله أعلم.
ولهذا {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ}
وقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوى وأن الملك كان في سبط يهوذا، فلما كان هذا من سبط بنيامين نفروا منه وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا نحن أحق بالملك منه وقد ذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه فكيف يكون مثل هذا ملكاً.
{قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}.
وقيل: كان الله أوحى إلى شمويل أن أي بني إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم. فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا
فلم يكن أحد منهم على طولها سوى طالوت ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه للملك عليهم
وقال لهم {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ}
قيل في أمر الحروب وقيل بل مطلقاً
{وَالْجِسْمِ} قيل الطول وقيل الجمال، والظاهر من السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم عليه السلام
{وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} فله الحكم وله الخلق والأمر {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وهذا أيضاً من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سُلب منهم وقهرهم الأعداء عليه وقد كانوا يُنصرون على أعدائهم بسببه
{فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
قيل طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء، وقيل السكينة مثل الريح الخجُوح. وقيل صورتها مثل الهرّة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر
{وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ}
قيل كان فيه رضاض الألواح وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه
{تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ}
أي تأتيكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عياناً ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم. ولهذا قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}.
قال ابن عباس وكثير من المفسرين: هذا النهر هو نهر الأردن، وهو المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند هذا النهر عن أمر نبي الله له عن أمر الله له اختباراً وامتحاناً: أن من شرب من هذا النهر فلا يصحبني في هذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة بيده.
قال الله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ}.
قال السدي: كان الجيش ثمانين ألفاً فشرب منه ستة وسبعون ألفاً، فبقي معه أربعة آلاف.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}
أي استقلوا أنفسهم واستضعفوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلى قلتهم وكثرة عدد عدوهم
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين، }
يعني ثبتهم الفرسان منهم والفرسان أهل الإيمان والإيقان الصابرون على الجلاد والجدال والطعان.
{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر أي يغمرهم به من فوقهم فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب ومعترك الأبطال وحومة الوغى والدعاء إلى النزال فسألوا التثبيت الظاهر والباطن وأن ينزل عليهم النصر على أعدائهم وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم القدير السميع البصير الحكيم الخبير إلى ما سألوا وأنالهم ما إليه فيه رغبوا.
ولهذا قال {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه} أي بحول الله لا بحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم، مع كثرة أعدائهم وكمال عُددهم
وقوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}.
فيه دلالة على شجاعة داود عليه السلام وأنه قتله قتلاً أذل به جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوَّه فيغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة ويأسر الأبطال والشجعان والأقران، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويُدال لأولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.
وقد ذكر السدي فيما يرونه أن داود عليه السلام كان أصغر أولاد أبيه وكانوا ثلاثة عشر ذكراً، كان سمع طالوت ملك بني إسرائيل وهو يحرض بني إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول من قتل جالوت زوجته بابنتي وأشركته في ملكي
وكان داود عليه السلام يرمي بالقذَّافة وهو المقلاع رمياً عظيماً، فبينما هو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت، فأخذه ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك؛ فأخذ الثلاثة في مخلاته
فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فتقدم داود
فقال له: ارجع فإني أكره قتلك.
فقال: لكني أحب قتلك.
وأخذ تلك الأحجار الثلاثة فوضعها في القذافة ثم أدارها فصارت الثلاثة حجراً واحداً. ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه وفر جيشه منهزماً.
فوفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته وأجرى حُكمه في ملكه، وعظم داود عليه السلام عند بني إسرائيل، وأحبوه ومالوا إليه أكثر من طالوت، فذكروا أن طالوت حسده، وأراد قتله، واحتال على ذلك فلم يصل إليه، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود
فتسلط عليهم فقتلهم، حتى لم يبق منهم إلا القليل.
ثم حصل له توبة وندم وإقلاع عما سلف منه، وجعل يكثر من البكاء، ويخرج إلى الجبانة فيبكي، حتى يبل الثرى بدموعه،
فنودي ذات يوم من الجبانة: أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء، وآذيتنا ونحن أموات.
فازداد بكاؤه وخوفه، واشتد وجله، ثم جعل يسأل عن عالم يسأل عن أمره، وهل له من توبة؟
فقيل له: وهل أبقيت عالماً؟
حتى دُل على امرأة من العابدات فأخذته فذهبت به إلى قبر يوشع عليه السلام. قالوا:
فدعت الله فقام يوشع من قبره فقال: أقامت القيامة؟
فقالت: لا، ولكن هذا طالوت يسألك: هل له من توبة؟
فقال: نعم ينخلع من الملك، ويذهب فيقاتل في سبيل الله، حتى يقتل، ثم عاد ميتاً. فترك الملك لداود عليه السلام، وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده،
فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا. قالوا: فذلك قوله {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}.
وهكذا ذكره ابن جرير في تاريخه من طريق السدي بإسناده. وفي بعض هذا نظر ونكارة. والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: النبي الذي بعث فأخبر طالوت بتوبته هو اليسع بن أخطوب. حكاه ابن جرير أيضاً.
وذكر الثعلبي أنها أتت به إلى قبر شمويل فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور، وهذا أنسب. ولعله إنما رآه في النوم، لا أنه قام من القبر حياً، فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي، وتلك المرأة لم تكن نبية والله أعلم.
قال ابن جرير: وزعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت إلى أن قُتل مع أولاده أربعون سنة. فالله أعلم.
|
|
|
|
| |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:35 | |
| قصة داود وما كان في أيامه هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه، وخليفته في أرض بيت المقدس. قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: كان داود عليه السلام قصيراً، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه. تقدم أنه لما قتل جالوت، وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خير الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط، والنبوة في آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا. كما قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: لولا إقامة الملوك حكاما على الناس، لأكل قوي الناس ضعيفهم، ولهذا جاء في بعض الآثار: السلطان ظل الله في أرضه. وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان: إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له: اخرج إلي وأخرج إليك، فندب طالوت الناس فانتدب داود فقتل جالوت. قال وهب بن منبه: فمال الناس إلى داود، حتى لم يكن لطالوت ذكر، وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود. وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
وقال تعالى: {... وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}
أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: لا تدق المسمار فيفلق، ولا تغلظه فيفصم قال الحسن البصري، وقتادة، والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة. قال قتادة: فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح. قال ابن شوذب: كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم، وقد ثبت في الحديث: ((أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده)). وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} .
قال ابن عباس، ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة، يعني: ذا قوة في العبادة والعمل الصالح. قال قتادة: أُعطي قوة في العبادة، وفقهاً في الإسلام. قال: وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)). وقوله: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} .
كما قال: {يا جبال أوبي معه والطير} أي: سبحي معه. {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}
أي: عند آخر النهار وأوله. وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحداً، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء، يُرجع بترجيعه، ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشياً صلوات الله وسلامه عليه. وقال الأوزاعي: حدثني عبد الله بن عامر قال: أعطي داود من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله، حتى يموت عطشاً وجوعاً، وحتى إن الأنهار لتقف. وقال وهب بن منبه: كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن، والإنس، والطير، والدواب على صوته، حتى يهلك بعضها جوعاً. عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال: ((لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود)).
وقد كان داود عليه السلام مع هذا الصوت الرخيم، سريع القراءة لكتابه الزبور كما قال الإمام أحمد: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه)). والمراد بالقرآن ههنا الزبور: الذي أنزله عليه، وأوحاه إليه، وقد كان ملكاً له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، صلوات الله وسلامه عليه. وقد قال الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً}
والزبور: كتاب مشهور، أنزل في شهر رمضان، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه. وقوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي: أعطيناه ملكاً عظيماً، وحكماً نافذاً. روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: أن رجلين تداعيا إلى داود عليه السلام في بقر: ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه، فأنكر المدعى عليه، فأرجأ أمرهما إلى الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي، فلما أصبح قال له داود: إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فأنا قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال: والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل، فعظم أمر داود في بني إسرائيل جداً وخضعوا له خضوعاً عظيماً. قال ابن عباس: وهو قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} أي: النبوة. {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال شريح، والشعبي، وقتادة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغيرهم: فصل الخطاب: الشهود والأيمان، يعنون بذلك البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. وقال مجاهد والسدي: هو إصابة القضاء وفهمه. وقال مجاهد: هو الفصل في الكلام، وفي الحكم {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} . وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا، قصصاً وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا إيرادها هنا قصداً اكتفاء واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال الله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}
أي: إن له يوم القيامة لزلفى، وهي القربة التي يقربه الله بها، ويدنيه من حظيرة قدسه بسببها، كما ثبت في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر)). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن سليمان، سمعت مالك بن دينار في قوله: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قال: يقوم داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش، فيقول الله: يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم، الذي كنت تمجدني في الدنيا، فيقول: وكيف وقد سلبته؟ فيقول: إني أرده عليك اليوم. قال: فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان. قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} هذا خطاب من الله تعالى مع داود، والمراد ولاة الأمور، وحكام الناس، وأمرهم بالعدل، واتباع الحق المنزل من الله لا ما سواه من الآراء والأهواء، وتوعد من سلك غير ذلك، وحكم بغير ذلك. وقد كان داود عليه السلام هو المقتدى به في ذلك الوقت في العدل، وكثرة العبادة، وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلاً ونهاراً كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
عن أبي الجلد قال: قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال: يا رب كيف لي أن أشكرك، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك، قال: فأتاه الوحي أن يا داود: ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني أرضى بذلك منك. وقال البيهقي: عن ابن شهاب قال: قال داود: الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله، فأوحى الله إليه إنك أتعبت الحفظة يا داود. وعن عمر مولى عفرة قال: قالت يهود لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج النساء: انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام، ولا والله ما له همة إلا إلى النساء، حسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك، فقالوا: لو كان نبياً ما رغب في النساء، وكان أشدهم في ذلك حيي بن أخطب، فأكذبهم الله وأخبرهم بفضل الله وسعته على نبيه صلوات الله عليه وسلامه، فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...} يعني بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم. {... فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}
يعني: ما أتى الله سليمان بن داود كانت له ألف امرأة، سبعمائة مهرية، وثلاثمائة سرية، وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة منهن: امرأة أوريا أم سليمان بن داود، التي تزوجها بعد الفتنة. هذا أكثر مما لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الكلبي نحو هذا، وإنه كان لداود عليه السلام مائة امرأة، ولسليمان ألف امرأة منهن ثلاثمائة سرية. عن أبي هريرة الحمصي، عن صدقة الدمشقي، أن رجلاً سأل ابن عباس عن الصيام فقال: لأحدثنك بحديث كان عندي في البحث مخزوناً إن شئت أنبأتك بصوم داود، فإنه كان صواماً قواماً، وكان شجاعاً لا يفر إذا لاقى، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام صيام داود، وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا يكون فيها، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء، ويصرف بصوته الهموم والمحموم)). وإن شئت أنبأتك بصوم ابنه سليمان، فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة أيام، ومن وسطه ثلاثة أيام، ومن آخره ثلاثة أيام، يستفتح الشهر بصيام، ووسطه بصيام، ويختمه بصيام. وإن شئت أنبأتك بصوم ابن العذراء البتول عيسى بن مريم، فإنه كان يصوم الدهر، ويأكل الشعير، ويلبس الشعر، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد، ليس له ولد يموت، ولا بيت يخرب، وكان أينما أدركه الليل صفَّ بين قدميه، وقام يصلي حتى يصبح، وكان رامياً لا يفوته صيد يريده، وكان يمر بمجالس بني إسرائيل فيقضي لهم حوائجهم. وإن شئت أنبأتك بصوم أمه مريم بنت عمران، فإنها كانت تصوم يوماً، وتفطر يومين. وإن شئت أنبأتك بصوم النبي العربي الأمي - محمد صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويقول: ((إن ذلك صوم الدهر)). ذكر كمية حياته وكيفية وفاته و جنازته
قد ذكرنا فى قصة آدم الأحاديث الواردة في خلق آدم أن الله لما استخرج ذريته من ظهره فرأى فيهم الأنبياء عليهم السلام ورأى فيهم رجلاً يُزهر فقال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. قال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون عاماً. قال: أي رب زد في عمره. قال: لا إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال: بقي من عمري أربعون سنة، ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود، فأتمها الله لآدم ألف سنة، ولداود مائة سنة. وأما وفاته عليه السلام فقال الإمام أحمد في مسنده: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار فقال له داود: من أنت؟ فقال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب فقال داود: أنت والله إذاً ملك الموت، مرحباً بأمر الله. ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض، فقال سليمان للطير: أقبضي جناحاً. قال أبو هريرة: فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وغلبت عليه يومئذ المضرحية. انفرد بإخراجه الإمام أحمد، وإسناده جيد قوي، رجاله ثقات، ومعنى قوله: "وغلبت عليه يومئذ المضرحية" أي وغلبت على التظليل عليه المضرحية وهي الصقور الطوال الأجنحة واحدها مضرحي. قال الجوهري: وهو الصقر الطويل الجناح. وقال السدي عن أبي مالك، عن ابن مالك، عن ابن عباس قال: مات داود عليه السلام فجأة وكان بسبت، وكانت الطير تظله. وقال السدي أيضاً، عن مالك وعن سعيد بن جبير قال: مات داود عليه السلام يوم السبت فجأة. عن قتادة، عن الحسن، قال: مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء فجأة وقال أبو السكن الهجري: مات إبراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. رواه ابن عساكر. وروي عن بعضهم أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه فقال له: دعني أنزل أو أصعد فقال: يا نبي الله قد نفدت السنون والشهور والآثار والأرزاق. قال: فخر ساجداً على مرقاة من تلك المراقي فقبضه وهو ساجد. و عن وهب بن منبه قال: إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام فجلسوا في الشمس في يوم صائف وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس، ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد، كانت بنو إسرائيل أشد جزعاً عليه منهم على داود. فآذاهم الحر فنادوا سليمان عليه السلام أن يعمل لهم وقاية لما أصابهم من الحر، فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت فأمرها أن تظل الناس، فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه، حتى استمسكت الريح فكاد الناس أن يهلكوا غماً فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح. ففعلت فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح، فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان. والله أعلم. | |
|
| |
سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:36 | |
| قصة سليمان ابن داود عليه السلام
قال الحافظ ابن عساكر: هو سليمان بن نبي الله بن نبي الله. جاء في بعض الآثار أنه دخل دمشق
قال الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
أي: ورثه في النبوة والملك، وليس المراد ورثه في المال، لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم. ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)).
علمه بمنطق الطير و الحيوان
وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} الآية
يعني أنه عليه السلام كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها.
حدثني أبو مالك قال:
مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة،
فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟
قالوا: وما يقول يا نبي الله؟
قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: زوجيني، أسكنك أي غرف دمشق شئت.
قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب.
وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات
{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات، والجنود، والجيوش، والجماعات من الجن، والإنس، والطيور والوحوش، والشياطين السارحات، والعلوم والفهوم، والتعبير عن ضمائر المخلوقات، من الناطقات والصامتات.
كما قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
يخبر تعالى عن عبده، ونبيه، وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، أنه ركب يوماً في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة، أي: نقباء يردون أوله على آخره، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
فأمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره.
ولهذا قال:
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}
فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين. وقد استجاب الله تعالى له.
والمراد بوالديه: داود عليه السلام وأمه، وكانت من العابدات الصالحات، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيراً يوم القيامة)).
عن الزهري :
أن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها.
قال ابن عساكر: وقد روي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله، فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة)).
وقال السدي: أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا، فإذا بنملة قائمة على رجليها، باسطة يديها، وهي تقول:
اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غناء بنا عن فضلك.
قال: فصب الله عليهم المطر
قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ }
يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد، وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون، يقدمون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة، كما هي عادة الجنود مع الملوك.
وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس وغيره أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر له هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه واستعملوه لحاجتهم، فلما تطلبه سليمان عليه السلام ذات يوم فقده، ولم يجده في موضعه من محل خدمته.
{فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
أي: ماله مفقود من ههنا، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي.
{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} توعده بنوع من العذاب، اختلف المفسرون فيه، والمقصود حاصل على كل تقدير.
{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة.
قال الله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها {فَقَالَ} لسليمان {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي: اطلعت على ما لم تطلع عليه {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} أي: بخبر صادق {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة، والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم، لم يخلف غيرها، فملَّكوها عليهم.
وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد أبيها رجلاً، فعم به الفساد، فأرسلت إليه تخطبه، فتزوجها فلما دخلت عليه سقته خمراً، ثم حزت رأسه، ونصبته على بابها، فأقبل الناس عليها، وملكوها عليهم، وهي بلقيس بنت السيرح، وهو الهدهاد، وقيل: شراحيل بن ذي جدن.
وكان أبوها من أكابر الملوك، وكان يأبى أن يتزوج من أهل اليمن، فيقال: إنه تزوج بامرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن، فولدت له هذه المرأة، واسمها تلقمة، ويقال لها بلقيس.
وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: مما من شأنه أن تؤتاه الملوك
{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} يعني: سرير مملكتها كان مزخرفاً بأنواع الجواهر، والآلي، والذهب، والحلي الباهر.
ثم ذكر كفرهم بالله، وعبادتهم الشمس من دون الله، وإضلال الشيطان لهم، وصده إياهم عن عبادة الله وحده لا شريك له، الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما يخفون وما يعلنون أي: يعلم السرائر، والظواهر من المحسوسات والمعنويات.
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
أي: له العرش العظيم الذي لا أعظم منه في المخلوقات، فعند ذلك بعث معه سليمان عليه السلام، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله، وطاعة رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه، ولهذا قال لهم: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي: وأقدموا علي سامعين مطيعين، بلا معاودة ولا مراودة.
فلما جاءها الكتاب مع الطير، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، ولكن تلك البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له، فذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم، أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها، وهي في خلوة لها، ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها.
فجمعت أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}
ثم قرأت عليهم عنوانه أولاً:
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}
ثم قرأته وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
ثم شاورتهم في أمرها، وما قد حل بها، وتأدبت معهم، وخاطبتهم وهم يسمعون {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} تعني: ما كنت لأبت أمراً إلا وأنتم حاضرون.
{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}
يعنون: لنا قوة وقدرة على الجلاد والقتال ومقاومة الأبطال، فإن أردت منا ذلك فإنا عليه من القادرين فبذلوا لها السمع والطاعة، وأخبروها بما عندهم من الاستطاعة، وفوضوا إليها في ذلك الأمر لترى فيه ما هو الأرشد لها ولهم، فكان رأيها أفضل من رأيهم، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب لا يغالب، ولا يمانع، ولا يخالف، ولا يخادع.
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
تقول برأيها السديد: إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم، إلا إلي، ولم تكن الحدة والشدة والسطوة البليغة إلا علي.
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}
أرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها، بهدية ترسلها، وتحف تبعثها، ولم تعلم أن سليمان عليه السلام لا يقبل منهم، والحالة هذه صرفاً ولا عدلاً، لأنهم كافرون وهو وجنوده عليهم قادرون.
ولهذا: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} هذا وقد كانت تلك الهدايا مشتملة على أمور عظيمة، كما ذكره المفسرون.
ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}
يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلى من قد من بها فإن عندي مما قد أنعم الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال، ما هو أضعاف هذا وخير من هذا، الذي أنتم تفرحون به، وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه.
{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم، ولا نزالهم، ولا مما نعتهم، ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم، وحوزتهم، ومعاملتهم، ودولتهم أذلة {وَهُمْ صَاغِرُونَ} عليهم الصغار، والعار، والدمار.
فلما بلغهم ذلك عن نبي الله، لم يكن لهم بد من السمع والطاعة، فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين، سامعين، مطيعين، خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه، ووفودهم إليه، قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان، ما قصَّه الله عنه في القرآن.
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها قبل قدومها عليه {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} يعني: قبل أن ينقضي مجلس حكمك.
وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال، يتصدى لمهمات بني إسرائيل، وما لهم من الأشغال
{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} أي: وإني لذو قدرة على إحضاره إليك، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك
{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}.
المشهور: أنه آصف بن برخيا، وهو ابن خالة سليمان، وقيل: هو رجل من مؤمني الجان، كان فيما يقال يحفظ الاسم الأعظم، وقيل: رجل من بني إسرائيل من علمائهم، وقد قيل فيه قول رابع وهو: جبريل.
{أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}
قيل: معناه قبل أن تبعث رسولاً إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض، ثم يعود إليك،
وقيل: قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس،
وقيل: قبل أن يكل طرفك إذا أدمت النظر به قبل أن تطبق جفنك،
وقيل: قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته، وهذا أقرب ما قيل.
{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين
{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}
أي: هذا من فضل الله علي، وفضله على عبيده، ليختبرهم على الشكر أو خلافه {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: إنما يعود نفع ذلك عليه {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.
ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلى هذا العرش، وينكر لها، ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
{نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}
وهذا من فطنتها وغزارة فهمها، لأنها استبعدت أن يكون عرشها، لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب.
قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
أي: ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله، اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم، لا لدليل قادهم إلى ذلك، ولا حداهم على ذلك.
وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج، وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفاً من زجاج وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح، وسليمان جالس على سريره فيه.
{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه، وكان يزورها في كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على البساط، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين، وبيتون، فالله أعلم.
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أنه سليمان لم يتزوجها، بل زوجها بملك همدان، وأقرها على ملك اليمن، وسخر زوبعة ملك جن اليمن، فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن، والأول أشهر وأظهر، والله أعلم.
قال تعالى في سورة ص:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه تعالى فقال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة، الجياد: وهي المضمرة السراع.
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يعني: الشمس
{رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه.
قالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روي هذا عن علي بن أبي طالب وغيره، والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمداً من غير عذر
وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرساً من ذوات الأجنحة.
وقال بعض العلماء: لما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كانت غدوها شهراً ورواحها شهرا كما سيأتي الكلام عليها.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ}
ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما من المفسرين ههنا آثاراً كثيرة ، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها نكارة شديدة، واقتصرنا ههنا على مجرد التلاوة، ومضمون ما ذكروه أن سليمان عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوماً، ثم عاد إليه، ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس، فبناه بناء محكماً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالاً ثلاثاً، فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة، سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها)).
فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً...}
روى أن هؤلاء القوم كان لهم كرم، فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي: رعته بالليل، فأكلت شجره بالكلية، فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان قال: بما حكم لكم نبي الله؟
فقالوا: بكذا وكذا.
فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم، فيستغلونها نتاجا ودراً حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه، ثم يتسلموا غنمهم. فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما، فتنازعتا في الآخر.
فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك.
وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك.
فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها)).
قال الله تعالى: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}
تسخير الريح و الشياطين له
ثم قال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}
وقال في سورة ص: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}
لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله، عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيراً، وأقوى وأعظم، ولا كلفة عليه لها، تجري بأمره رخاء {حَيْثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد من أي البلاد، كان له بساط مركب من أخشاب بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية، والقصور، والخيام، والأمتعة، والخيول، والجمال، والأثقال، والرجال من الأنس والجان، وغير ذلك من الحيوانات والطيور، فإذا أراد سفراً أو مستنزهاً، أو قتال ملك، أو أعداء من أي بلاد الله شاء.
فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط، أمر الريح فدخلت تحته فرفعته، فإذا استقل بين السماء والأرض، أمر الرخاء فسارت به، فإن أراد أسرع من ذلك، أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء، بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس، فتغدو به الريح فتضعه باصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس.
كما قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }.
قال الحسن البصري: كان يغدو من دمشق، فينزل باصطخر فيتغدى بها، ويذهب رائحاً منها، فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر.
قلت: قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان: أن اصطخر بنتها الجان لسليمان، وكان فيها قرار مملكة الترك قديماً، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر، وبيت المقدس، وباب جبرون، وباب البريد، اللذان بدمشق على أحد الأقوال.
وأما القطر فقيل : هو النحاس.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}
أي: وسخر الله له من الجن عمالاً يعملون له ما يشاء، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} وهي: الأماكن الحسنة، وصدور المجالس {وَتَمَاثِيلَ} وهي: الصور في الجدران، وكان هذا سائغاً في شريعتهم وملتهم {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ}.
قال ابن عباس: الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض وهي الحوض الذي يجبي فيه الماء
وأما القدور الراسيات فقيل : أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن .
ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام، والإحسان إلى الخلق من إنسان وجان، قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
وقال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} يعني أن منهم من قد سخره في البناء، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر، والآلي، وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك.
وقوله: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} أي: قد عصوا فقيدوا، مقرنين: اثنين اثنين في الأصفاد، وهي القيود، هذا كله من جملة ما هيأه الله، وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك، الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم يكن أيضاً لمن كان قبله.
وقد ذكر غير واحد من السلف أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة، سبعمائة بمهور، وثلاثمائة سراري، وقيل: بالعكس ثلاثمائة حرائر، وسبعمائة من الإماء. وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمراً عظيماً جداً.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال إن شاء الله لولدت كل امرأة منهن غلاماً يضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل)).
وقد كان له عليه السلام من أمور الملك، واتساع الدولة، وكثرة الجنود وتنوعها، ما لم يكن لأحد قبله، ولا يعطيه الله أحداً بعده كما قال: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه، من النعم الكاملة العظيمة إليه قال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: أعط من شئت، واحرم من شئت، فلا حساب عليك، أي تصرف في المال كيف شئت، فإن الله قد سوغ لك كلما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك.
وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول، فإن من شأنه أن لا يعطي أحداً، ولا يمنع أحداً إلا بإذن الله له في ذلك، وقد خير نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين، فاختار أن يكون عبداً رسولاً.
وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة، فالله الحمد والمنة.
قال الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَ | |
| | | سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:36 | |
| قصة عزير عليه السلام
المشهور أن عزيراً من أنبياء بني إسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان وبين زكريا ويحيى، وأنه لما لم يبقى في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ذكر الطبرانى و السيوطى و ابن كثير أن هذه الآية المقصود بها عزير و فى تفسيرها أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة أصابه الحر، فدخل الخربة وهو على حمار له، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب، فنزل في ظل تلك الخربة، وأخرج قصعة معه، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة، ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها، ورأى عظاما بالية فقال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها!} فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا. فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، فأماته الله مائة عام، فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث، فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى، ثم ركب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد، ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل، فاستوى جالسا فقال له الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب. فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم. فقال له الملك: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة، فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس، فذلك قوله {لم يتسنه} يعني لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله، فكأنه أنكر في قلبه. فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك. فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم، ثم أنبت عليها الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الملك، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقا، فذلك قوله {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما}
يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحما {فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} من احياء الموتى وغيره. قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر منازله، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، وبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس. قال: فإني أنا عزير. قالت: سبحان الله! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير، كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني. قالت: فإن عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك، فإن كنت عزيرا عرفتك. فدعا ربه ومسح يده على عينيهما؟؟ فصحتا، وأخذ بيدها فقال: قومي بإذن الله، فأطلق الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير. {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}
و جاء عزير الى بنى اسرائيل فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا. فكتب عزير لبني إسرائيل التوراة من حفظه، فقال بني إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب وأن عزيراً قد جاءنا بها من غير كتاب. فقالت طوائف منهم عزير ابن الله. و الله اعلم | |
| | | سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:37 | |
| قصة زكريا ويحيى عليهما السلام
قال الله تعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم: {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } وقال تعالى في سورة الأنبياء: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}. أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقص على الناس خبر زكريا عليه السلام، وما كان من أمره حين وهبه الله ولداً على الكبر، وكانت امرأته مع ذلك عاقراً في حال شبيبتها، وقد كبرت سنها أيضاً حتى لا ييئس أحد من فضل الله ورحمته، ولا يقنط من فضله تعالى وتقدس فقال تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً}.
إن الله يعلم القلب النقي، ويسمع الصوت الخفي. وقال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضراً عنده مخافته فقال: يا رب يا رب يا رب، فقال الله: لبيك لبيك لبيك. {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}
أي: ضعف وخار من الكبر. {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}
استعارة من اشتعال النار في الحطب، أي: غلب على سواد الشعر شيبه يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطناً وظاهراً، وهكذا قال زكريا عليه السلام. {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} وقوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} أي: ما دعوتني فيما أسألك إلا الإجابة، وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها، ولا في أوانها، وهذه من كرامات الأولياء، فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً، وإن كان قد طعن في سنه. {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}
وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً}
قيل: المراد بالموالي العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله وطاعته، فسأل وجود ولد من صلبه يكون براً تقياً مرضياً ولهذا قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً أي هب لى من عندك بحولك وقوتك.ابن يرثنى في النبوة والحكم في بني إسرائيل و يكون كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب أنبياء، فاجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمتهم بها من النبوة والوحي. وليس المراد ههنا وراثة المال كما ذكرنا عند قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} أي: في النبوة والملك، و كما ذكرنا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة)). و قد كان زكريا عليه السلام نجاراً يعمل بيده، ويأكل من كسبها، كما كان داود عليه السلام يأكل من كسب يده عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان زكريا نجاراً)). {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً}
ولقد بشرته الملائكة به كما فى قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} فلما بشر بالولد، وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد والحالة هذه له {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} فتعجب كيف يوجد ولد من شيخ كبير. قيل: كان عمره إذ ذاك سبعاً وسبعين سنة، والأشبه والله أعلم أنه كان أسن من ذلك. {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً}
يعني: وقد كانت امرأتي في حال شبيبتها عاقرا لا تلد والله أعلم وهكذا أجيب زكريا عليه السلام، قال له الملك الذي يوحي إليه بأمر ربه {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}
أي: قدرته أوجدتك بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، أفلا يوجد منك ولدا وإن كنت شيخا. وقال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}
ومعنى إصلاح زوجته أنها كانت لا تحيض فحاضت، وقيل: كان في لسانها شئ أي: بذاءة. {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً}
أي اجعل لى علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به. {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}
يقول: علامة ذلك أن يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزاً، وأنت في ذلك سوي الخلق، صحيح المزاج، معتدل البنية، وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب، واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والإبكار، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسرورا بها على قومه من محرابه. {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً}
والوحي ههنا هو: الأمر الخفي، إما بكتابه ، أو باشارة و قد قيل انه اعتقل لسانه من غير مرض. وقال ابن زيد: كان يقرأ ويسبح ولكن لا يستطيع كلام أحد. {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}
يخبر تعالى عن وجود الولد وفق البشارة الإلهية لأبيه زكريا عليه السلام، وأن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه. قال عبد الله بن المبارك : قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا، قال: وذلك قوله {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} } وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً {
أي: رحمة من عندنا رحمنا بها زكريا، فوهبنا له هذا الولد. الذى يتميز بالرفق والتحنن على الناس، ولا سيما على أبويه وهو محبتهما والشفقة عليهما، وبره بهما، وأما الزكاة فهو طهارة الخلق وسلامته من النقائض والرذائل، والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره، ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمراً ونهياً، وترك عقوقهما قولاً وفعلاً {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً}.
هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان، فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر، فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلى الآخر، ولا يدري ما بين يديه، ولهذا يستهل صارخاً إذا خرج من بين الأحشاء، وفارق لينها وضمها، وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها. وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الأموات سكان القبور، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور، فمن مسرور ومحبور، ومن محزون ومثبور، وما بين جبير وكسير، وفريق في الجنة وفريق في السعير ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلم الله على يحيى في كل موطن منها فقال: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً}. عن قتادة: أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى التقيا فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني فقال له عيسى: أنت خير مني سلمت على نفسي وسلم الله عليك، فعرف والله فضلهما. وأما قوله في الآية الأخرى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ}: فقيل: المراد بالحصور الذي لا يأتي النساء عن عبد الله بن عمرو قال: ما أحد لا يلقى الله بذنب إلا يحيى بن زكريا ثم تلا {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} ثم رفع شيئاً من الأرض فقال: ما كان معه إلا مثل هذا، ثم ذبح ذبحاً عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى عليها السلام)).
عن خيثمة قال: كان عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا ابني خالة، وكان عيسى يلبس الصوف، وكان يحيى يلبس الوبر، ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم، ولا عبد ولا أمة، ولا مأوى يأويان إليه أين ماجنهما الليل أويا، فلما أرادا أن يتفرقا قال له يحيى: أوصني،. قال: لا تغضب. قال: لا أستطيع إلا أن أغضب. قال: لا تقتن مالاً. قال: أما هذه فعسى عن الحارث الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن؟ فقال يا أخي: إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، وأولهن: أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا فإن مثل ذلك، مثل من اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك، وأن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأمركم بالصلاة، فإن الله ينصب وجهه قبل عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا. وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة، كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإن من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربق الإسلام من عنقه، إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من حثا جهنم، قال: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم، ادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل)). وقد ذكروا أن يحيى عليه السلام كان كثير الانفراد من الناس، إنما كان يأنس إلى البراري، ويأكل من ورق الأشجار، ويرد ماء الأنهار، ويتغذى بالجراد في بعض الأحيان، ويقول: من أنعم منك يا يحيى. وروى ابن عساكر أن أبويه خرجا في تطلبه، فوجداه عند بحيرة الأردن، فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عز وجل. عن مجاهد قال: كان طعام يحيى بن زكريا العشب، وإنه كان ليبكي من خشية الله حتى لو كان القار على عينيه لخرقه. وقال ابن المبارك، عن وهيب بن الورد قال: فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام، فخرج يلتمسه في البرية فإذا هو قد احتفر قبراً وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال: يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام، وأنت في قبر قد احتفرته قائم تبكي فيه، فقال: يا أبت ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة، لا يقطع إلا بدموع البكائين. فقال له: ابك يا بني، فبكيا جميعا. وروى ابن عساكر عنه أنه قال: إن أهل الجنة لا ينامون للذة ما هم فيه من النعيم، فكذا ينبغي للصديقين أن لا يناموا لما في قلوبهم من نعيم المحبة لله عز وجل، ثم قال: كم بين النعيمين وكم بينهما، وذكروا أنه كان كثير البكاء حتى أثر البكاء في خديه من كثرة دموعه. ذكروا في قتله أسباباً من أشهرها: أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها، فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها. وقيل: بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها، فلما يئست منه تحايلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها الملك، ثم أجابها إلى ذلك، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طشت. ثم اختلف في مقتل يحيى بن زكريا، هل كان في المسجد الأقصى أم بغيره على قولين؟ فقال الثوري: قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا، منهم يحيى بن زكريا عليه السلام. و روى باسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: قدم بختنصر دمشق، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فسأل عنه فأخبروه، فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن. وهذا يقتضي أنه قتل بدمشق فالله أعلم. | |
| | | سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:37 | |
| قصة عيسى عليه السلام
نشأة مريم
لا خلاف أنها من سلالة داود عليه السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه
وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم "أشياع" في قول الجمهور وقيل زوج خالتها "أشياع" فالله أعلم.
و قد كانت أن أم مريم لا تحبل فرأت يوماً طائراً يزق فرخاً له فاشتهت الولد فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محرراً أي حبيساً في بيت المقدس.
قالوا: فحاضت من فورها فلما طهرت واقعها بعلها فحملت بمريم عليها السلام {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} أي في خدمة بيت المقدس، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون لبيت المقدس خداماً من أولادهم
{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
وقد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شتئم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}
ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم، فتنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها - أو خالتها على القولين. فطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم وذلك أن الخالة بمنزلة الأم.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}
وذلك أن كلاًّ منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في موضع وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها وظهر قلم زكريا عليه السلام.
فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن ألقوا أقلامهم في النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء
ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا فكان زكريا هو الغالب لهم فكفلها إذ كان أحق بها شرعاً وقدراً .
قال الله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
قال المفسرون: اتخذ لها زكريا مكاناً شريفاً من المسجد لا يدخله سواها، فكانت تعبد الله فيه وتقوم مما يجب عليها من سدانة البيت إذا جاءت نوبتها وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في بني إسرائيل، واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة حتى إنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقاً غريباً في غير أوانه. فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف فيسألها {أَنَّى لَكِ هَذَا} فتقول {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي رزق رزقنيه الله {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فعند ذلك وهنالك طمع زكريا في وجود ولد له من صلبه وإن كان قد أسن وكبر {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} قال بعضهم: قال: يا من يرزق مريم الثمر في غير أوانه هب لي ولداً وإن كان في غير أوانه. فكان من خبره وقضيته ما قدمنا ذكره في قصته.
{ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ{
يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب وبُشرت بأن يكون نبياً شريفاً {يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهولته، فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها، وأُمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلاً لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة، فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها.
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين بأربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد".
قصة حمل مريم بعيسى عليه السلام
لما خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولداً زكياً يكون نبياً كريماً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج فاخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورة لابد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شؤونها و{انتَبَذَتْ} أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}
فلما رأته {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً}
و التقي هو ذو نهية.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} أي خاطبها الملك قائلاً لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك لأهب لك ولداً زكيا.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} أي كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد
{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً} أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة
{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها قائلاً أنه وعد الله أنه سيخلق منك غلاماً ولست بذات بعل ولا تكونين ممن تبغين
{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي وهذا أسهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.
وقوله {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أي ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى.
قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.
ذكر غير واحد من السلف أن جبريل نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها.
ولما نفخ فيها الروح لم يواجه الملك الفرجَ بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها فانسلكت فيه، كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}
قال تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً}
وذلك لأن مريم عليها السلام لما حملت ضاقت به ذرعاً، وعلمت أن كثيراً من الناس سيكون منهم كلام في حقها، فذكر غير واحد من السلف أنها لما ظهرت عليها مخايل الحمل كان أول من فطن لذلك رجل من عُباد بني إسرائيل يقال له يوسف بن يعقوب النجار، وكان ابن خالها فجعل يتعجب من ذلك عجباً شديداً، وذلك لما يعلم من ديانتها ونزاهتها وعبادتها وهو مع ذلك يراها حبلى وليس لها زوج، فعرَّض لها ذات يوم في الكلام فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟
قالت: نعم، فمن خلق الزرع الأول.
ثم قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟
قالت: نعم إن الله خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى.
قال لها: فأخبريني خبرك.
فقالت: إن الله بشرني {اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ}.
ويروى مثل هذا عن زكريا عليه السلام أنه سألها فأجابته بمثل هذا. والله أعلم.
وروى عن مجاهد قال: قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني.
قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا.
قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكاناً قصياً.
{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}
أي فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، ببيت لحم فتمنت الموت وذلك لأنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو لم تخلق بالكلية.
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}
و فى تفسير ذلك قولان: أحدهما أنه جبريل وفي رواية: هو إبنها عيسى
{ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}. قيل النهر
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} فذكر الطعام والشراب ولهذا قال {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}.
قيل: كان جذع النخلة يابساً وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة، لكنها لم تكن مثمرة إذ ذاك، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الأمتنان {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}
ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب
{فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}.
فإن رأيت أحداً من الناس فقولى له بلسان الحال والإشارة إنى نذرت للرحمن صوماً أي صمتاً، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً}
والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها قالوا {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} والفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة
ثم قالوا لها {يَا أُخْتَ هَارُونَ}
وقد ورد الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها. والله أعلم.
عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال فرحت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم".
فلما ضاق الحال بمريم {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي خاطبوه وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه
فعند ذلك قالوا : {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً}
أي كيف تحيلين في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو رضيع في مهده ولا يميز ، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء .
فعندها {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}.
هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم، فكان أول ما تكلم به أن {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته .
ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: {آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله ، كما قال تعالى {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنى في زمن الحيض، لعنهم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أولي العزم الخمسة الكبار
ثم قال: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} أي وجعلني براً بوالدتي وذلك أنه تأكد حقها عليه إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة وبراها وأعطى كل نفس هداها
قال تعالى : {ذَلِكَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
كما قال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
فبين أنه تعالى لا ينبغي له الولد لأنه خالق كل شيء ومالكه، وكل شيء فقير إليه، خاضع ذليل لديه وجميع سكان السماوات والأرض عبيده، هو ربهم لا إله إلا هو ولا رب سواه
وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: "شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، يزعم أن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد".
ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام
قد ذكرنا أنه ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره
فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض. فبعث رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى
فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك، فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا عنه، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، وظهرت عليه كرامات ومعجزات في حال صغره
عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله، ففشا ذلك في اليهود وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر،
قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا قال فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره.
وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}.
فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك، أيتها المرأة؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع
القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها ثم دعا فعاد تراباً.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس في خبر ذكره وفيه أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل، فرأى الناس أمراً هائلاً ومنظراً عجيباً.
بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يَا بَنِي إسرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ،
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم خطيباً فبشره بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه. إقامة للحجة عليهم وإحساناً من الله إليهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام".
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ}.
ومضمون ذلك: أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوماً، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم. فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل.
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر
وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا.
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول "بسم الله خير الرازقين" فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال: وخل. ويقال: ورمان وثمار، ولها رائحة عظيمة جداً، قال الله لها كوني فكانت.
ثم أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل فقال: إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها. فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك. ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو سبعة آلاف.
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوماً بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير.
عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله | |
| | | سانجي قرصان ماسي
عدد المساهمات : 256 نقاط : 268 الشكر : 1
| موضوع: رد: قصص الانبياء الأحد يوليو 08 2012, 04:39 | |
| سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
1. اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرة. 2. حمله كانت آمنة تقول ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً كما يجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي. 3. مولده ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الموافق 10 من ربيع الأول وكان قدوم أصحاب الفيل. 4. أسماؤه محمد واحمد والماحي (يمحو به الكفر) والحاشر (يقدم الناس بالحشر) والعاقب (آخر الأنبياء)، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملاحم (الحروب)، والمقفي (بمعنى العاقب) والشاهد، والمبشر، والنذير، والضحوك والقتال، والمتوكل، والفاتح، والأمين، والخاتم، والمصطفى، والرسول، والنبي، والأمي، والقثم (المعطاء للخير). 5. مرضعاته أول من أرضعه "ثوبية" بلبن ابن لها "مسروح" أياماً قبل أن تقدم حليمة .. وكانت قد أرضعت قبله حمزة رضي الله عنه، ثم جاءت حليمة السعدية وأخذته عندها لرضاعته. 6. وفاة والده خرج والد عبد الله إلى الشام في تجارة مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض، فقال أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضاً شهراً ثم توفى بالمدينة وعمره 25 سنة، وكان ميراثه خمسة أجمال وقطعة غنم فورث ذلك رسول الله وكانت أم أيمن تحضنه واسمها بركة. 7. وفاة والدته ذهبت أمه به إلى المدينة وعمره ست سنين إلى أخواله بني النجار تزورهم ومعها أم أيمن تحضنه فأقامت عندهم شهراً ثم رجعت فتوفيت "بالأبواء" ولهذا فإنه في عمرة الحديبية قال رسول الله "إن الله قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه" فأتاه فأصلحه وبكى عنده، وبكى المسلمون لبكائه، فقيل له في ذلك فقال أدركتني رحمتها فبكيت. 8. صفاته كان رسول الله ربعة ليس بالطويل ولا القصير وليس بالآم ولا شديد البياض، رجل الشعر ليس بالسبط ولا الجعد يضرب شعره منكبيه. قال أنيس ما مسست حريراً ألين من كف رسول الله، عظيم الفم طويل شق العين، مدور الوجه أبيض يميل إلى الاحمرار، شديد سواد العين، غليظ الأصابع واسع الجبين، خشن اللحية، سهل الخدين، عريض الصدر، أشعر الذراعين والمنكبين، طويل الزندين. 9. أولاده أول من ولد له القاسم ثم زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الإسلام عبد الله وأمهم جميعاً خديجة وأول من مات من ولده القاسم ثم عبد الله. كما ورزق إبراهيم من مارية القبطية إلا أنه توفى وعمره ستة عشرة شهراً. 10. من معجزاته ـ القرآن. ـ الإسراء والمعراج. ـ حنين جذع النخلة. ـ تفجير الماء من بين أصابعه. ـ الإخبار بالأمور الغيبية. ـ تسليم الحجر والشجر عليه. ـ الأخبار بالأمور المستقبلية. ـ انشقاق القمر. ـ تكثير الطعام والشراب ببركته. ـ علاجه لأمراض الصحابة بدعائه ومسحه بيده. ـ الاستجابة لدعائه. ـ قتال الملائكة معه. ـ وقد ذكر الشيخ عبد العزيز السلمان في كتابه من معجزات الرسول 194 معجزة يمكنهم الرجوع إليها.
11. زوجاته خديجة بنت خويلد كانت متزوجة من اثنين قبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي أول من أسلم، ولقد سلم الله عليها عن طريق جبريل، ولم يتزوج النبي عليها حتى ماتت، ومكث معها 24 سنة وأشهر، وكان وفياً لها بعد موتها يبر أصدقاءها ويكثر من الدعاء لها والاستغفار لها كلما ذكرها. عائشة بنت أبي بكر الصديق رآها النبي في المنام قبل أن يتزوجها مرتين، وتزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين وتوفى عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة، وكان يلعب معها ويقبلها وهو صائم، ويدعو لها، وقالت أنها فضلت على نساء النبي بعشر: أنه لم ينكح بكراً غيرها ولم ينكح امرأة أبواها مؤمنين مهاجرين غيرها، وأنزل الله براءتها من السماء، وجاء جبريل بصورتها في حريره، وكانت تغتسل مع النبي في إناء واحد، وكان ينزل عليه الوحي وهو معها، وقبض وهو بين سحرها ومات في الليلة التي كان الدور عليها فيها ودفن في بيتها. حفظة بنت عمر بن الخطاب وقد عرضها والدها على أبي بكر حتى يتزوجها فلم يحبه وكذلك على عثمان فلم يحبه فلبث ليالي ثم خطبها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال أبو بكر لعمر فإنه لم يمنعني من خطبتها إلا أني سمعت رسول الله يذكرها ولم أكن لأفشي سر رسول الله، وقد طلقها النبي ثم راجعها، وقد توفيت سنة 41 هـ وقد بلغت 60 سنة. زينب بنت جحش تزوجها النبي وعمرها 35 سنة، سنة 3 هجرية وكان قد استخار بها ربه فقال تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) فكانت زينب تفخر على أزواج النبي وتقول زوجكن أهلوكن وزوجني الله تعالى وكانت تقية وصادقة الحديث وتكثر من صلة الرحم وتكثر من الصدقة، وتوفيت سنة 20 هـ وصلى عليها عمر بن الخطاب. "أم حبيبة" صفية بنت أبي العاص هاجرت إلى الحبشة مع زوجها فتنصر زوجها ومات، فتزوجها النبي وهي بأرض الحبشة وأرسل للنجاشي رسول الله وأصدقها النجاشي 400 دينار عن رسول الله وأرسلها النجاشي مع شرحبيل في سنة 9 هـ. وتوفيت سنة 44 هـ. زينب بنت خزيمة وتسمى أم المساكين لأنها كثيراً ما تطعم المساكين. وتوفيت ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم حي وقد مكثت عند رسول الله ثمانية أشهر. ميمونة بنت الحارث وهبت نفسها للنبي، قال تعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) وتزوجها حين اعتمر بمكة وتوفيت سنة 61 هـ. جويرية بنت الحارث تزوجها النبي بعد ما اعتقها حيث كانت من سبايا بني المصطلق، ولقد اعتق الله لها مائة أهل بيت من بني المصطلق فكانت أعظم بركة على قومها وتوفيت سنة 50 هـ. صفية بنت حيي وكان أبوها سيد بني النضير وجعل رسول الله عتقها صداقها، وقد دخل عليها رسول الله وهي تبكي فقالت له حفصة وعائشة ينالان مني، يقولان نحن خير منك نحن بنات عم رسول الله، فقال لها النبي ألا قلت لهن كيف تكن خيراً مني وأبي هارون، وعمي موسى وزوجي محمد، وتوفيت سنة 50 هـ. سودة بنت زمعة تزوجها النبي في السنة العاشرة ولما أسنت هم بطلاقها فقالت له لا تطلقني وأنت في حل مني، فأنا أريد أن أحشر في أزواجك وإني قد وهبت يومي لعائشة فأمسكها رسول الله حتى توفى عنها وتوفيت في آخر خلافة عمر.
|
|
|
| |
| | | | قصص الانبياء | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|
|
|